7
الحرب، وندرك السبب في أن نسبه وحده هو الذي جعل منه نصيرا للنظام الملكي.
وتبصر بسمارك القوي المملوء حيوية، كما في ساعات النضال تلك التي تهدد فيها الأوساط فيفرض إرادته عليها، لا يزيد نشاطا إلا عند قدرته كسياسي حكيم على تحويل الخصام إلى وئام، ومن قوله بحماسة:
إن من أعز دواعي الغبطة ما كان في هذا الصباح من توفيقي بين واحد وأربعين فلاحا وقحا يحقد كل واحد منهم على الأربعين الآخرين فيدفع مختارا ثلاثين تاليرا إذا ما استطاع أن يخسرهم عشرة تاليرات، ولو كان مدير الأسداد السابق في مكاني لسوف الأمر أكثر من أربع سنوات؛ لما قد يجده في ذلك من بقرة حلوب. لقد استطعت أن أصلح ذات بينهم في أربع ساعات، ولما صارت الوثيقة الممضاة في جيبي ركبت العربة فكان لي بذلك من السرور النادر ما أجدني مدينا به لمقامي الرسمي. وقد دلني هذا الحادث مرة أخرى على أن اللذة الحقيقية في المنصب الرسمي لا يمكن أن تنال إلا إذا اتصل الرئيس بالمرءوسين اتصالا شخصيا، والرئيس أو الوزير عندنا لا يتصل بمن هم تحت إمرته إلا بالحبر والورق.
وإني حين أفكر فيما يمكن رئيس الأمة مهما بلغ من السمو والسؤدد أن يزيده من سعادة ويخففه من بؤس بفضل نشاطه الرسمي، وإني حين أفكر في أن الوزير أو الملك (ما لم يكن ضالا مجنونا) لا يستطيع أن يغمض عينيه عن يقين بأن وقى أي واحد ممن هم تحت رعايته من كدر أو حباه بسرور، لا أقدر على منع نفسي من إنعام النظر في قصيدة لينو
8
المحزنة المسماة ب «الخلي». وليست حياتنا الدنيوية مجدية إلا من أجل أرواحنا. وإذا ما قيس إمتاع الآخرين بالسعادة فوق الأرض بالحياة الأبدية وجد أمرا لا يؤبه له، فهو ينقلب إلى غبار وتراب بعد ثلاثين عاما، ثم تعصف به ألوف السنين، ومن يمت الآن لا يبال بأن حياته في هذا العالم كانت ذات بهجة أو غم.
وها هو ذا جالس في عربته حامل لمحضره في فروته، ويبلغ السنة الثانية والثلاثين من عمره، ويفترض أن يكون راضيا عن نفسه وعن العالم للمرة الأولى في حياته، ويفكر في الفلاحين الواحد والأربعين، وفي سبب تصارعهم وتباغضهم، وفي الوجه الذي قلب به أمورهم فجعل الوفاق يسودهم، ويتمثل أمر الدول والأمم بدلا من الفلاحين، ويتأمل فيما قد يشعر به القطب السياسي - الوزير أو الملك - الذي يصنع على مقياس واسع ما استطاع صنعه بنفسه في هذا الصباح على مقياس محدود، ويبصر من جديد النظام القرطاسي الكريه الذي يفسد نظر كل بروسي، ويذعر من رغبته الحارة في السلطان، ويحمل نفسه على نطاقه الضيق، ويسخر من سرور البشر ويقصد هادئا باب أجداده.
ويوفق لكبير وقت في بيته، ويقضي هذا الوقت في كتابة طويل الرسائل إلى حنة فيعرض عليها آراءه ومشاعره وريبه محاولا في حياته الباكرة تلك صنع ما يروقها، ويخبرها بما كان من تبادله الكتب هو وابنة عمه التي هي سمية لها فكان يحبها قبلها، وترتجف مع دهش من إمكان حب الرجل مرتين بمثل تلك الشدة، وينبئها بأمر الكتاب الطويل الذي أرسله إلى ابنة عمه تلك عندما ترك خدمة الدولة، ويضيف إلى ذلك قوله لها بعد فترة السنوات العشر تلك: «لا أزال عند رأيي الذي كنت قد أبديته حول عقم نظامنا الإداري، وإذا أصاب رفقائي في الدراسة تقدما باهرا شعرت متوجعا - أحيانا - بأنني كنت أستطيع أن أفوز بمثل ما نالوه، غير أن لي سلوانا بتفكيري دوما في أن بحث الإنسان عن السعادة خارج نفسه أمر باطل.» وفيما هو يكتب ذلك عن صدق وإخلاص تجده يندفع بحرارة في سبيل انتخابه عضوا في اللندتاغ، وتراه لا يألو جهدا في اختياره عمدة للناحية.
وهو يداري ريبها ومشاعرها بأسلوب أبوي سام سلس فيقول لها: «ولم تودين البكاء بهذه المرارة يا ملاكي؟ ولكن بلغيني السبب في أنك تريدين تذريف الدموع، وأنا رجل من المارش القديم، وأنا امرؤ يرغب في معرفة علل الأمور، وأنا الذي ربي في بوميرانية فيما بين السنة الثانية والسنة السابعة عشرة من عمره فيدرك الدعابة ببطوء أحيانا.»
Unknown page