والعوسج، وقد أنعمت النظر طويل زمن في شحوب الغروب فملئت مرارة وأسفا على ما بددته قصدا من مواهب الشباب ومن الذكاء والثراء والصحة والعافية، خليا كسولا، ولوعا بالاستمتاع، عاطلا من الهدف، بعيدا من الفلاح، وأعود إلى البيت كامدا خامدا فيخيل إلي أن كل شجرة غرستها، أو كل بلوطة تفيأتها مستلقيا على الكلأ، تلومني على تسليمها إلى أيد غريبة، وأبلغ من ذلك ما أبداه جميع عمالي الذين وجدتهم متجمعين أمام بابي لبث شكواهم من البؤس الراهن ومن الغم المقبل الذي يلاقونه من الخائل،
10
ويعربون لي عن طول الزمن الذي قضوه في خدمة والدي فيبكي شيبهم وتدمع عيناي.
ومن يقرأ ذلك الكلام المملوء حنانا، والذي يذكرنا بعضه الشعري بوداع غوتة لمغناه
11
الصيفي، يسأل عن سبب التبديل، أي عن صدوره عن علل مالية أو عن رغبة في منزل أجمل من ذلك، فلا شيء من هذا، وإنما الدافع إلى ذلك هو الطموح والرغبة في السير.
حقا إن موت أبيه في ذلك الحين، وصلاته بذلك الوسط الأدبي النشيط الذي وصفه في صفحات قليلة، وشعوره ببلوغه الثلاثين من عمره وبوجوب وضعه حدا لجميع مغامراته من فوره؛ كلها أمور أثارت فيه ميلا جديدا إلى العمل على مقياس واسع، فتستحوذ عليه هذه الرغبة مدة نصف قرن بعد ذلك مع تموج خفيف، وفي البداءة تدعه
12
الأحوال دعا إلى الحياة العامة في البيئة التي يجب عليه أن يدير شئونها بحكم الوراثة، وخططه مما يمكن تحقيقه في سكسونية بسرعة، وتفتح إدارة الأسداد على شواطئ الإلبة بابها له، وينبه ذلك الأمر فيه شعورا راقدا حول نصيب ذلك النهر الذي وجب عليه أن يصف أزماته ببلاغة، شعورا أصبح لزاما عليه أن يحوله إلى أعمال، والمسافة بين إدارة أسداد الإلبة واللندتاغ غير طويلة، ولحلقة البيتان علاقات كبيرة ببوتسدام، ويود بيتاني في ذلك الزمن تسهيل دخول بسمارك في الإدارة، فيعرض عليه حتى منصب مندوب ملكي في بروسية الشرقية، فيبدي بسمارك عدم ميله إلى القبول في كتاب يرسله إلى أخيه من شونهاوزن: «لا ريب في أن الترقي يكون حليفي ببروسية الشرقية، ولكن من سوء حظي أن كل وظيفة أنالها تظهر لي مرغوبا فيها إلى أن أشغلها، ثم أجدها ثقيلة مملة، وسيكون مثل هذا نصيب المنصب الذي يعرض علي، وإذا ما ذهبت إلى بروسية الشرقية رفضت مديرية الأسداد التي وعدت بها من قبل الحكومة، ولكن إدارة الأسداد مع العمل في اللندتاغ الذي أراني مطمئنا إلى انتخابي عضوا فيه، مما يدنيني من مراقبة أملاكي، وأوجه همي إلى تأدية بعض الديون قبل كل شيء.» وهو في الوقت نفسه يصر على نيته أن يكون عمدة الناحية هنالك، ويلوح أن الموظف العتيد لا يظل في منصبه أكثر من ثلاث سنوات أو أربع سنوات، «لما عليه صحته من وهن باد، فتبصر أن خططي تقوم على آراء طبية، وستقام حفلة رقص في راتينوف يوم السبت، ولا أذهب إليها، فليس لدي قفاز، فأنا حاد.»
وهكذا يحسب ما يصير قبل أن يسير، فيوعد بإدارة الأسداد ويثق بانتخابه عضوا في اللندتاغ ويقدر مدة مرض سلفه، ثم يسأل عن عزل رئيس الأسداد لغيابه بلا إذن، وهو حين يلتمس المنصب يطالب بخفض الضرائب النهرية المفروضة على أملاكه، وينبش نظاما قديما قائلا بأن يولى رئاسة الأسداد رجل مثله ذو أملاك واقعة على شواطئ النهر، ويعود إلى مبادلة أراض فرضت على أجداده منذ بضعة قرون دعما لادعائه بالمنصب، وهو يجد في ذلك حقا، وهو ينتحل بذلك إنقاذا لجيران من موظف كسلان، وهو يصنع ذلك حفظا لأطيانه وخفضا لضرائبه وفرضا لاسمه على الولاية حتى يغدو نائبا وعمدة ناحية.
Unknown page