1
طويلا.» وهو لعطله من علة النجاح الذي اتفق لأبيه فجعله مرهوبا ، عزا الناس وضعه الفاتر النافر إلى الكبرياء، وقد قيل سرا: إن جميع الوزراء يكرهونه، وإنهم لا يصبرون عليه إلا من أجل أبيه، وكان هربرت على وئام مع ولهلم أيام كان هذا أميرا، ولكن أصواتا كثيرة ارتفعت بعد ذلك لانتقاصه والافتراء عليه، فأشبع ذهن ولهلم المذبذب ضده، وتزيد البطانة ما كان من أثر فتدخل إلى الروع زعمها أنه يطمع أن يكون رئيسا للبلاط؛ أي أن يجعل سلطان آل الملك ومجدهم في خطر، ولا مكان في تلك البيئة لغير الرئاء، ولا يعيش أولئك الذين يبدون مثل تلك الملاحظة لولهلم الذي هو أذن
2
بغير الرئاء البعيد منه قلب بسمارك وقلب ابنه، وما كان نشاط هربرت سكرتيرا للدولة ليسفر عن غير ابتعاد الإمبراطور عن الابن والأب.
ولكن ولهلم كان مكارا، فلم يبد مقاصده في بدء الأمر، حتى إن سفير النمسة كتب يقول: «إن ذلك شهر عسل ينقضي بين الحب والتبجيل»، حتى إن بسمارك غر في البداءة فقال: «إن الإمبراطور بلغ من الشجاعة والاستقلال ما لا يتأثر معه بعوامل البلاط.» خلافا لآبائه، ولما ظل بسمارك في فردريكسروه ساهرا إلى الساعة الحادية عشرة ليلا، وليس في هذا ما يخالف عادته، ليرحب بولهلم ضيفا؛ شكر هذا العاهل الشاب للمستشار عنايته فلم ينهض إلى الساعة التاسعة صباحا مراعاة له، ولما زار ولهلم الشرق لم يستصحب بسمارك مكتفيا بالإبراق إليه مجاملة، ثم أخذ ولهلم يشكو إلى دوك بادن الأكبر إعطاء بسمارك الشيخ له دروسا محدثا إياه عن تجاريبه في الغالب، ولا بد من أن يكون ولهلم قد قال لدوك بادن الأكبر ما هو أشد من ذلك لما كان من تصريح هذا الدوك بأن الإمبراطور يمسك بسمارك وابنه في خدمته «في الوقت الحاضر».
وكانت سنة 1889 عصيبة، فقد قسم بسمارك فيها عنايته بين روسية والنمسة متبعا سياسته القديمة في حفظ التوازن، ويريد الإمبراطور سياسة أكثر ثباتا، ويود الإمبراطور أن يستبدل بهذا الأسلوب المعقد أسلوبا «أبسط» منه. وكان ولهلم - على العموم - كارها لروسية محبا للحرب، وكان بسمارك موائما لروسية ولو لسبب انتهاء أجل المعاهدة مع روسية في العام القادم، فيجب أن يعمل كل ما يؤدي إلى تجديد التأمين الذي تتوقف عليه سلامة الإمبراطورية.
ويأتي القيصر إلى برلين ضيفا فيعرب للمستشار عن ثقته به، بيد أنه يبدي فتورا نحو ابن خاله الإمبراطور، ويدعو ولهلم نفسه إلى الصيد في روسية فلا يستطيع إسكندر أن يرفض ذلك، ويودع ولهلم القيصر، ويرجو من بسمارك أن يركب معه في عربته قاصدا الحديث عن الأمور في وزارة الخارجية، وفي الطريق يذكر الإمبراطور عزمه على زيارة القيصر، ويقابل بسمارك هذا بالصمت، فيتبرم ولهلم ويقول مغاضبا: «أليس عندك كلمة تجاملني بها؟»
وتنم هذه العبارة البسيطة على عدم فهم ولهلم لكرامة مقامه ولأخلاق بسمارك، كما تنم على ما يرغب فيه هذا العاهل الشاب كثيرا، ولكن بسمارك الشيخ الحكيم العارف بنفور القيصر من مثل مزاج ولهلم؛ خشي زوال الصداقة غير القوية بين ألمانية وروسية إذا ذهب العاهلان إلى الصيد معا، فأشار بعدم القيام بتلك الزيارة المقترحة، وكيف لا يتحول العاهل الشاب إلى جمد إزاء ذلك؟ هو يشعر بأنه جرح في كرامته وفي كيانه، فينزل المستشار أمام منزله ويودعه وداعا جافيا وينطلق تاركا البحث في الأمور المقصودة.
وكانت تلك الركبة في العربة فاتحة التصدع، وما أشبه الأمر بخصام العاشقين عند رفض القبلة للمرة الأولى! ولسرعان ما تدخلت الضباع، ولا شيء أسهل من إثارة حفيظة العاهل، أفلم يكره بسمارك الشائب - عن خبث - إمبراطوره على الإغضاء عن لوم أبويه بشدة لما كان حديثا من نشر مذكرة ولي العهد فردريك عن الحرب بلا إذن؟ وكان بسمارك يهدف إلى تبديد الخرافة القائلة بوجود هوهنزلرني من الأحرار كما يستخرج من تلك الورقات، وذلك وصولا إلى عدم تمكن الديمقراطيين من الانتساب إلى الإمبراطور الراحل، ويرفع «أبناء العم العصاة» رءوسهم ثانية، ويسعون في القضاء على الائتلاف وتقويض سلطان بسمارك معه، ويسلك بسمارك سبيل النضال لأسباب حكومية كما صنع بعد سنة 1870، فيهاجم جريدة «كروززايتنغ» في جريدة «رايخسانزيجر»، ولا يرى بسمارك ما يراه لوسيوس من كون الكفاح اليوم أخطر مما في الماضي ، «فبسمارك لا يؤثر في العاهل الشاب بمثل تأثيره في العاهل الشائب».
ويسمع صريف
Unknown page