263

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

وكان بسمارك لا يتقيد أمام أي رجل كان إذا تكلم عن مولاه الشائب، وروى لوسيوس أن بسمارك قال في جمع مختلط في سنة 1875: «نأخذ في بعض الأحيان رسائل بخط الإمبراطور يتطلب الجواب عنها عمل عدة أسابيع، ولا يدخن الإمبراطور، ولا يقرأ جرائد، ولا يطلع على غير الوثائق والرسائل؛ فالأجمل به أن يتأنى، وإذا حدث أن وجد مني جوابا صارما امتقع ولان، وقال: «أعرف أنني وهنت بتقدمي في السن، ولكن طول عمري ليس ذنبي!» ومن الطبيعي أن ملاحظة من هذا الطراز مما يحزنني.» ويحدث بسمارك عن اللهجة التي يجب اتخاذها في البلاط، فيقول: «لا أقدر أن أقول مثلا إن جلالتكم تهذر، أو إن جلالتكم لا تعرف من السياسة أكثر من معرفة صبي من تلاميذ الصف الثالث، وإنما يجب علي صوغ ذلك كله في عبارات مهذبة، ولا يعرف الناس ماذا كان يجب أن أصنع للتفاهم مع ذلك العظيم في ثماني عشرة سنة، وإنما كنت أصل إلى ذلك بأن أهدد بالاستقالة كمسدس أحمله بيدي على الدوام.»

ويمتدح نجي بسمارك - لوسيوس - الملك ولهلم فيجيبه بسمارك عن ذلك قائلا بقسوة: «يسير جميع الملوك على خطة واحدة في استغلال أقدر مستشاريهم وأخلصهم، ولا بد من أن يكون مليكنا قد ورث هذه الخطة عن فردريك الكبير، فهو فاتر، وهو قاس كالحجر، وهو لا يعرف معنى للشكر نحوي، وهو يحتفظ بي عاملا له؛ لما يراه من وجود نفع له في.»

ويبلغ خصام أوغوستا غايته في سنة 1870؛ فهذه الإمبراطورة ومستشارها ناظر القصر شلينتز يرعيان كل من يكتبون ضد بسمارك ويحوكان الدسائس حوله، سواء أكان هؤلاء من الكاثوليك الرومان أم من الشرفاء، ولم تنشب أوغوستا أن صارت ضد الأحرار بعد أن اتفق بسمارك معهم، وتضع الحرب أوزارها، وتشترك أوغوستا في عرض النصر العظيم الذي أقيم ببرلين بعد الوقت المقرر له بعدة أسابيع، وأوغوستا هي التي أجلت هذا العرض بعد جهد لتلك المدة بسبب استشفائها في ينبوع معدني؛ أي لسبب لم يعرفه الشعب، ولا يكاد يعرفه حتى الآن، مؤخرة بذلك تسريح الجنود ستة أسابيع، ومكلفة البلاد بذلك ملايين كثيرة من التاليرات، ومبدية بذلك نوبة من جنون العظمة!

وما كان من وضعها تجاه النواب والوزراء في الداخل وتجاه الأمراء في الخارج فيضر سياسة الريخ في الداخل والخارج، ويجعل المستشار مضطرا إلى الكفاح المضني، ويقول بسمارك لاثنين من خلصائه متألما: «هي تكاتب ملوك الأجانب بخط يدها وبتحريض زوجها - كما هو ظاهر - وهي تعارض سياستي وتواد سفير فرنسة وتعمل برأيه ورأي فيندهورست، وهي تدنو بمكايدها من باب الخيانة ، وهي تجعل الناس يكتبون إليها رسائل فتضعها أمام الإمبراطور عند تناول الفطور، فيرسل الإمبراطور إلي ما لا يروقني من المذكرات، فإذا لم تنته هذه الأمور قدمت استقالتي وغدوت قادرا على الجهر بما أفكر فيه.»

وتؤيد الإمبراطورة سفير فرنسة - وهو من الأشراف - فيما يصبو إليه من إعادة الألزاس واللورين إلى فرنسة، ويكون لديها بذلك مكار خبيث في صورة قارئ فرنسي يمثل دور جاسوس، وتعنى عناية خاصة بالغرباء وقسيسي الكاثوليك، ويزودها ناظر القصر شلينتز بكل ما يدور في خلد أرنيم وفيندهورست وجميع الساخطين من الأشراف ضد بسمارك، ويؤدي ذلك إلى تقوية آمال الأوساط المعادية لبسمارك في سقوط المستشار الذي طال عهده، ويكتشف بسمارك أن صحيفة رايشغلوك تهيأ في نظارة القصر، «فالوسيط هو مستخدم عادي يبري أقلام زوجة شلينتز وينظم منضدة الكتابة، وتجعلني الإمبراطورة أشعر بدوام جفائها لي، ويبدي أكابر موظفي القصر من القحة نحوي ما أرفع معه شكواي إلى صاحب الجلالة نفسه.»

ويذهب بسمارك ذات صباح ليسأل الإمبراطور عن التفات خاص إلى حزب الوسط، فيجده مريضا ويجد أوغوستا قريبة من سريره «بزي استنبطت منه أنها لم تصل إلى هنالك إلا بعد أن أخبرت بحضوري، فلما أبديت رغبتي في محادثة جلالته وحده انصرفت، ولكنها ذهبت لتجلس على كرسي خلف باب لم تغلقه تماما عاملة بحركاتها على إشعاري بأنها تسمع كل كلمة»، وتقام حفلة راقصة في القصر مساء، فيرجو بسمارك من أوغوستا ألا تؤذي صحة زوجها برأي معارض، «وما أبديته من حركة غير منتظرة فكان ذا أثر جالب للنظر لعدم ملاءمته تقاليد القصر، ولم يحدث في السنوات العشر الأخيرة أن أبصرت الإمبراطورة أوغوستا جميلة جمالها في تلك الساعة، وتعدل قامتها وتلمع عيناها لمعا لم أرهما به من قبل ومن بعد، وتتركني بغتة، ويروي لي أحد الندماء أنها قالت: إن مستشارنا اللطيف كان اليوم غير لطيف».

وفي ذينك المنظرين اللذين قص بسمارك خبرهما بلباقة تبدو أوغوستا كما هي، فهي تظهر في الصباح متحدية غيري وتسلك سلوكا غير لائق طمعا في أن تكون ذات إصبع في الحكومة بأي ثمن كان، ولو من وراء الباب، وهي تظهر في المساء مشبعة من مقامها الملكي فتجدد نشاط شبابها وتسترد جمالها الذي اشتهرت به ثلاثة أجيال، وهل نعجب من تمني بسمارك موت أوغوستا؟ قال بسمارك غاضبا منكتا: «لا بد من نهاية أحد النظامين: الزواج والملكية، فمن العبث جمعهما معا، وبما أننا نحتاج إلى الملكية وجب علينا أن نضع حدا للزواج!» ويقول للوسيوس بجد أكثر من ذلك: «إذا ما اتفق على أمر مساء قلب على مائدة الفطور في الصباح كل شيء رأسا على عقب، فيا ليت الإمبراطور كان من الأرامل!»

وتفتر ملكية بسمارك بعد أن بلغ ذروة سلطانه، ويفقد بسمارك تقريبا ما يجب أن يقوم عليه النظام الملكي من إيمان، ويروي لنا اثنان من خلصائه، وهما بوشر وبوش، خبر مقالة كتب مسودتها الرئيس «بسمارك» فتشتمل على تهديد بالاستقالة، وهو قد عمل على نشرها في إنكلترة حتى تتناقلها صحف ألمانية، وتكون مؤثرة في الملك فيذعن لرغائبه، وقد أشير في تلك المقالة إلى ما يمازج المستشار من «شعور ملكي وإخلاص للملك» فحدث بوش «أن كلا من ذينك العرافين أخذ ينظر إلى الآخر متبسما»، ويشكو الأمر إلى ميتناخت مع كبرياء ذاتي، فيقول: «يبلغ الملوك من جعل الحياة قاسية على الوزراء ما يدنو به الإنسان من النظام الجمهوري بعد تجربة، ويتكلم الملوك في كتبهم الخاصة عن وزرائهم كما لو كان هؤلاء الوزراء من الخول!»

4

ويكتب متهكما عن سكرتير الدولة قائلا إن هذا السيد يحدث عن أبطال أوميرس بعبارات خسيسة خليقة بحياة البلاط؛ ك «صاحب السمو الملكي، والمبارك الذكر هيكتور»، وفي سنة 1880 يلخص بسمارك الأمر سرا كما يأتي: «لست نصيرا للحكم المطلق، وكيف يمكن أن يكون نصيرا لذلك الحكم من ظل وزيرا للدولة سنوات كثيرة؟ وليس على الوزير أن يعمل للملك وحده، بل عليه أن يعمل لزوجة الملك، ولخليلته - على ما يحتمل - ولجميع من في البلاط من الأنذال، وترى رءوس أشراف القصر مملوءة بالترهات، وترى الطبقة الأريستوقراطية القديمة مفعمة بالعجب الممزوج بالشر، فلا يزينون أنفسهم بسوى شجر أنسابهم.»

Unknown page