243

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

ولكن أفكار بسمارك المكونة سابقا ونزوات مزاجه ليست كافية لحمله على اتخاذ قرارات بعد ذهاب سورة غضبه الأولى، وبسمارك لم يفعل ذلك إلا بعد أن حسب النتائج السياسية لما يريد أن يصنع. ويقدر بسمارك أنه إذا قام بتلك الحملة قوى المناحي اللاإكليريكية في إيطالية الجديدة وفصل إيطالية عن فرنسة، وأمكنه تقوية الصلات بين ألمانية وروسية ما دامت روسية معادية لرومة على العموم ولقساوسة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية المثيرين للفتنة في بولونية على الخصوص. وقد تجعل هذه السياسة ولي العهد وديا في البلاد، وقد تتغلب هذه السياسة على تذمر الأحرار من الدستور؛ وذلك لاتخاذ ولي العهد والأحرار فلسفة عقلية نبراسا لهم فلا يودون أمرا أكثر من مكافحة الكنيسة.

ولم يتمالك بسمارك أن بدأ حملته بعد إمضاء معاهدة الصلح في شهر مايو، وذلك بصولة تذكرنا بما يقع في المعسكر الحربي، ومن بيان بسمارك غير الرسمي: «ستقرر الحكومة الألمانية بعد قليل قيامها بعمل عدائي ... وكان الشعور الألماني في ألمانية منذ ثلاثمائة سنة أقوى من شعور الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وشعور مثل هذا هو أشد في الوقت الحاضر مما كان عليه في ذلك الحين ... وذلك لأن رومة عادت لا تكون عاصمة للعالم، ولأن الذي يضع على رأسه التاج الإمبراطوري الألماني هو أمير ألماني لا إسباني.»

ولم يرد بسمارك في ذلك الوقت فصل الكنيسة عن الدولة فصلا غير مقيد، وإنما كان يرغب في اتخاذ «وضع دفاعي قوي تجاه اعتداء الكنيسة الكاثوليكية»، وهو لكي ينفذ هذه السياسة يدخل إلى الريخ في بدء الأمر «فقر المنبر» التي تجعل كل جدال حول أمور الدولة من فوق المنبر جرما يعاقب فاعله بالسجن.

ثم يندفع بسمارك إلى الأمام فيصدر ببروسية في عام أو عامين «قوانين مايو» التي كانت لها نتائج مهمة، فيلغي بسمارك الفرع الكاثوليكي من وزارة الديانة والتعليم ويمحو من الدستور ما فيه من نصوص ملائمة للكنيسة، ويتدخل في إدارة الأسقفيات وفي أمور التعليم الديني في المدارس، ويطرد اليسوعيين ومن إليهم من أصحاب الطرق خارج بلاد الريخ، ويجعل الزواج المدني إلزاميا، ويتوعد العند بالإبعاد والغرامة الاعتقال والحبس ومصادرة الدخل.

ويجرد أديارا كثيرة من الرعاة، ويلقي بسمارك بذور الشقاق بين الأساقفة والقساوسة، وبين العلمانيين والشمامسة، ويوقع الشر بين أبناء الأسر، ويعرض للخطر وجدانات الأقسة والنسوة والطلبة والطبقة الوسطى، وتلوح الفوضى في المشاعر والمصالح. وهكذا، يتحقق وعيده على وجه يخالف ما أبصره، وهو: أن يقيم العالم ويقعده.

وصرخ بسمارك مخاطبا خصومه: «لا تضطربوا، فلا نذهب إلى كانوسا

2

جسما وروحا!» وسيأسف على هذه الكلمات التي لم تلبث أن طارت من ألمانية إلى فوق جبال الألب، ويشبه أمير كنسي حكومة ألمانية بالرجل الذي يدخل نهرا من غير أن يعرف عمقه، فكلما تقدم هذا الرجل إلى الأمام وجد هوى غير منتظرة، ووصف آخر بسمارك بأنه «مبيد الثعابين».

ويذكر فيندهورست ما أصاب قدماء النصارى من الاضطهاد، ويعلن أساقفة بروسية معارضتهم «لمبادئ دولة وثنية»، ويمنع البابا كاثوليك الألمان من إطاعة القوانين الجديدة، ويصعد بسمارك فوق المنبر ويقول هائجا بما لا عهد له بمثله:

ليس الأمر مكافحة أسرة بروتستانية ضد الكنيسة الكاثوليكية، وليس الأمر نزاعا بين الإيمان والكفران، وإنما الأمر يقوم على الصراع حول السلطان، وإنما الأمر يقوم على قتال قديم قدم الجنس البشري، على قتال بين النظام الملكي والنظام الإكليريكي للوصول إلى السلطة، على قتال بدأ قبل ظهور منقذنا «يسوع» بزمن طويل جدا، على قتال في سبيل الحكم أثاره أغاممنون

Unknown page