لغيرك والصلاح لنفسك. ولكن إن كان مقصودك من قولك: أصلحه الله - الدعاء؛ فادع له في السر. وإن اغتممت بسببه، فعلامة أنك لا تريد فضيحته واظهار عيبه، وفي إظهارك الغم بعيبه إظهار تعييبه.
ويكفيك زاجرا عن الغيبة قوله تعالى: (وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضا، أَيُحِبُ أَحَدُكُم أَن يَأكلَ لَحمَ أخيهِ مَيتا فَكَرِهتُموه) . فقد شبهك الله بآكل لحم الميتة؛ فما أجدرك أن تحترز منها؟؟؟! ويمنعك عن الغيبة أمر لو تفكرت فيه وهو أن تنظر في نفسك، هل فيك عيب ظاهر أو باطن؟، وهل أنت مقارف معصية سرا أو جهرا؟ فإذا عرفت ذلك من نفسك، فاعلم أن عجزه عن التنزهي عما نسبته إليه كعجزك، وعذره كعذرك. وكما تكره أن تفتضح وتذكر عيوبك، فهو أيضا يكرهه؛ فإن سترته ستر الله عليك عيوبك، وإن فضحته سلط الله عليك ألسنة حدادا، يمزقون عرضك في الدينا، ثم يفضك الله في الآخرة على رؤوس الخلائق يوم القيامة.
وإن نظرت إلى ظاهرك وباطنك، فلم تطلع فيهما على عيب ونقص في دين ولا دنيا، فاعلم أن جهلك بعيوب نفسك أقبح أنواع الحماقة، ولا عيب أعظم من الحمق. ولو أراد الله بك خيرا لبصرك بعيوب نفسك، فرؤيتك نفسك بعين الرضا غاية غباوتك وجهلك. ثم إن كنت صادقا في ظنك فاشكر الله تعالى عليه ولا تفسده بثلب الناس، والتمضمض بأعراضهم؛ فإن ذلك من أعظم العيوب.
الرابع المراء والجدال ومناقشة الناس في الكلام
فذلك فيه إيذاء للمخاطب وتجهيل له، وطعن فيه، وفيه ثناء على النفس وتزكية لها بمزيد الفطنة والعلم، ثم هو مشوش للعيش؛ فإنك لا تمارى سفيها إلا ويؤذيك، ولا تماري حليما إلا ويقليك ويحقد عليك؛ فقد قال ﷺ: (من ترك المراء وهو مبطل بنى الله له بيتا في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة) .
ولا ينبغي أن يخدعك الشيطان ويقول لك: أظهر الحق ولا تداهن فيه، فإن الشيطان أدبا يستجر الحمقى إلى الشر في معرض الخير، فلا تكن ضُحكة للشيطان فيسخر منك، فاظهار الحق حسن مع من يقبله منك، وذلك بطريق النصيحة في الخفية لا بطريق المماراة.
وللنصيحة صفة وهيئة، ويحتاج
1 / 54