Bidayat Casr Batalima
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
Genres
وتعتبر معركة غزة بدء عصر تاريخي، فإنه عقيب الهزيمة التي مني بها «دمطريوس» وجد سلوقوس أن الطريق ممهود أمامه ليعود إلى بابل. ومنذ ذلك الوقت بدأ تاريخ الدولة السلوقية في آسيا، وللمرة الثانية تم امتلاك بطلميوس لفلسطين، وعاد سلطانه على المدن الفنيقية.
وسرعان ما قلب الحظ لبطلميوس ظهر المجن فجاءة، شأن الحياة في تلك الأيام المرتجة الخئون. فإن «دمطريوس» هزم جيشا لبطلميوس سنة 311ق.م في شمال سورية، وسارع أنطيغونس بالزحف منحدرا نحو فلسطين من الشمال. وللمرة الثانية انسحب «بطلميوس» من فلسطين، منكمشا في داخل صدفته. وفي ذات الوقت ثارت قورينا مرة أخرى، ولكنها لم تثر على أفلاس، بل تحت إمرته وبزعامته.
وكانت فترة عصيبة على «بطلميوس»، ففي سنة 311ق.م عقد وحليفاه من الزعماء المقدونيين؛ قصندر (43) حاكم مقدونيا، و«لوسيماخوس» (44) حاكم «تراقيا» (45) معاهدة مع «أنطيغونس» ترك ل «لبطلميوس» بمقتضاها سورية الخالية. ولم تكن إلا برهة تصعد فيها الأنفاس بعد طول الجلاد والعراك، لم تلبث الحرب أن عادت بعدها سجالا، كما كانت من قبل. وانحصرت جهود «بطلميوس» حينذاك في أن يمد سلطانه على البحار. ولئن فقد سورية الخالية وفنيقية، فإنه كان مالكا جزيرة «قبرص».
ومضى الزعماء المقدونيون يدعون الأمانة لمبدأ «الاستقلال الذاتي للهلينيين» (46)، واعتمادا على هذه الدعوى، كان كل منهم يطرد جيش زميله من أية مدينة إغريقية يحتلها؛ ليثبت مكانه قدم جيشه، بدعوى أنه حامي حريات المدينة.
ونشطت قوات بطلميوس البحرية في خلال الأعوام التي تلت سنة 311ق.م متخذة من شواطئ آسيا الصغرى مرسحا لجولاتها الحربية، مغتصبة - حيثما استطاعت - مدنا من قوات «أنطيغونس». وسعى وسطاء «أنطيغونس» في أن يشتروا أمراء «قبرص» بالمال؛ ليناصروا دعواه، فنجحوا مع واحد منهم، أو على الأقل اعتقد بطلميوس أنهم نجحوا، ولا ندري أكان هو «نيقوقلس» (47) أمير فافوس، على ما يقول «ديودورس»؟ أم «نيقوقريون» (48) أمير «سلاميس» الذي كان حاكما عاما من قبل بطلميوس على الجزيرة؟
11
وسواء أكان هذا أم ذاك، فإن بطلميوس أجبره على أن ينتحر. ومهما يكن من أمر ذلك، فإن بطلميوس استطاع أن يحتفظ بالجزيرة مؤقتا، برغم الدسائس التي كان يحيك عدوه شبكتها من حوله. وفي سنة 308ق.م
12
تمكن من أن ينزل بقوة حربية في إغريقية نفسها، واحتل «ماغرا» (49) «وقورنثوس» (50) و«سقيون » (51). وفي تلك السنة نفسها خطا أول خطوة في سبيل بسط الحماية البطلمية على أرخبيل «قوقلادس» (52) في بحر أيغا، بأن حرر جزيرة «أندروس» (53) من حامية معادية له كانت بها. وقد قدر لهذا الأرخبيل أن يصبح في مقبل الأيام عاملا ذا بال في التسلط على البحر المتوسط. ومن الجلي أن جزيرة «دلوس» (54) كانت بمنزلتها الدينية، المحور السياسي في جزائر ذلك الأرخبيل، فاغتصبها «بطلميوس» وفصلها عن أثينا (55). وقد ظلت هذه الجزيرة تابعة لها حوالي مائتي عام. وجاء في قائمة أحصيت بها مملوكات الهيكل في «دلوس» ذكر آنية عليها إهداء من «بطلميوس بن لاغوس» إلى «أفروديت»، ويرجح أن جيشا تحت إمرة «ماغاس» (56)، ابن زوجة «بطلميوس»، استرد برقة سنة 308ق.م ثم ظل بها حاكما.
13
Unknown page