Bidayat Casr Batalima
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
Genres
لما كان هذا البحث خاصا بفترة من تاريخ مصر، وموضوعه أمس بها مما هو ببيت بطلميوس بالذات، فإنه مما يخرج عن نطاقه ومرماه، تتبع أعمال «بطلميوس» وخليفته وأوجه نشاطهما في الحرب والسياسة، من حيث إنهما قوة من قوى العالم الإغريقي. وليس لنا على أية حال أن نلحظ دوران السياسة العالمية وصروفها، إلا بقدر ما يمس تاريخ مصر الداخلي، ففي خلال عامين بعد تسوية «إتريفاراديسوس»
9
امتلك «بطلميوس» سورية من حدود لبنان جنوبا، وهي الرقعة التي نسميها اليوم فلسطين، وكان يسميها الأغارقة سورية الخالية
Cœle Syria ، وهو اسم أخذ من منخفض وادي الأردن، وكان حاكم هذه المنطقة بتسوية «إتريفاراديسوس» إغريقي من «أمفيبولس» (30) يدعى «لومادون» (31) فساومه «بطلميوس» أول الأمر في أن يشتري منه البلاد، فلما رفض احتلها عنوة. وفي هذا الظرف عقد «بطلميوس» النية على أن يفتح «أورشليم» (32) يوم السبت، وفيه يحظر الدين على اليهود أن يقاوموا بأية صورة، ولأي سبب.
10
أما «بوشيه لكلار» فيرجح أن ذلك وقع سنة 312ق.م غير أنه مما يشق على بطلميوس أن يفوته الاستيلاء على مدينة ذلك الشعب الفذ (وكان الإغريق يعتقدون أن في اليهود فذاذة) عندما بسط سلطانه على فلسطين بين سنتي 320 و318 قبل الميلاد.
لما قفل «أنطيغونس» (33) عامل «فروغيا» راجعا من الولايات الشرقية في سنة 316ق.م بعد انتصاره على بقايا حزب «فردقاس» أصبح في نظر أحلافه القدماء في منزلة «فردقاس» خطرا عليهم. وكان «سلوقوس» (34) عامل «بابلونيا» (35) قد هرب إلى مصر، وتكونت شعبة جديدة من الزعماء تنابذ «أنطيغونس». على أن احتلال «بطلميوس» سورية الخالية، قد زود كل المتطلعين إلى الاستيلاء على الإمبراطورية بسبب للشكوى، له خطره ووزنه. ففي سنة 315ق.م غزا «أنطيغونس» سورية الخالية، فارتد «بطلميوس» أمامه مستهديا ببصيرته النقادة، وانكمشت السلحفاة في داخل صدفتها، واحتل «أنطيغونس» مدن الشاطئ السوري حتى «غزة». ولكن أسطول «بطلميوس» تحت إمرة «سلوقوس» كان في الوقت نفسه يشن الغارات بحرا على «أنطيغونس». وأنزل «بطلميوس» قوة حربية في قبرص، وكان سكان الجزيرة، وهم أخلاط من الأغارقة والفينيقيين، منقسمين شيعا، وكل مقاطعة من مقاطعاتها العديدة خاضعة لحاكم مستقل استقلالا جزئيا، وكان بعضهم من ممالئي «أنطيغونس». فاحتل «بطلميوس» ولايات صولي (36) وسلاميس (37) وفافوس (38) وختري (39). ولما أن وطئت قوات «بطلميوس» ثرى الجزيرة، أخذ سلطانه يمتد ويثبت في أطرافها، وكان يريد أن يتخذها قاعدة بحرية يناجز بها «أنطيغونس» الذي تملك كل الموانئ الفنيقية الواقعة على الشاطئ السوري.
في سنة 313ق.م فقد «بطلميوس» سورية الخالية، كما فقد «قورينا» إلى حين. فإن هذه المدينة بعد أن خضعت تسع سنوات لسلطان حاكم مقدوني غريب عنها، ثارت، وحاصر أهلها حامية «بطلميوس» في القلعة، ولكنه وجه إليها مددا حربيا، قضى على الثورة، وأخضع المدينة لسلطة «أفلاس» حاكمها. وفي هذه السنة نفسها هبط «بطلميوس» جزيرة «قبرص» وأتم غزوها، ثم قتل أمير «قطيوم» (40) الفنيقي واسمه «فوماياطون» (41) أو (فغماليون) وكان من صنائع أنطيغونس.
وفي سنة 312ق.م خرج «بطلميوس» من مصر مرة أخرى، وزحف على فلسطين؛ ليشد عليها بجيشه، لعله يستردها. وكان أنطيغونس قد ترك فيها ابنه «دمطريوس» (42) وهو فتى في العشرين من عمره، قائدا على حاميتها. ولقد قدر لهذا الفتى أن يكون ذا مستقبل باهر مملوء بالمجازفات الفذة، حتى عرف في التاريخ باسم المحاصر
، ولكنه هزم في المعركة التي دارت في خريف سنة 312ق.م على حدود فلسطين، أمام المجرب الكبير الذي حارب في صفوف الإسكندر. وكانت هزيمته كاملة، مزقت شمل جيشه.
Unknown page