Bidayat Mujtahid

Averroes d. 595 AH
151

Bidayat Mujtahid

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Publisher

دار الحديث

Edition Number

بدون طبعة

Publisher Location

القاهرة

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ; أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَكَذَلِكَ تَرَاصُّ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتُهَا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاخْتَلَفُوا إِذَا صَلَّى إِنْسَانٌ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِي. وَقَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَجَمَاعَةٌ: صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَمُخَالَفَةُ الْعَمَلِ لَهُ، وَحَدِيثُ وَابِصَةَ هُوَ أَنَّهُ قَالَ ﵊ «لَا صَلَاةَ لِقَائِمٍ خَلْفَ الصَّفِّ» وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ هَذَا يُعَارِضُهُ قِيَامُ الْعَجُوزِ وَحْدَهَا خَلْفَ الصَّفِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ. وَكَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ سُنَّةَ النِّسَاءِ هِيَ الْقِيَامُ خَلْفَ الرِّجَالِ. وَكَانَ أَحْمَدُ كَمَا قُلْنَا يُصَحِّحُ حَدِيثَ وَابِصَةَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ من مُضْطَرِب الْإِسْنَادِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ فَلَمْ يَأْمُرْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ لَهُ «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» وَلَوْ حُمِلَ هَذَا عَلَى النَّدْبِ لَمْ يَكُنْ تَعَارُضٌ: (أَعْنِي: بَيْنَ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ) . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ; اخْتَلَفَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَيَسْمَعُ الْإِقَامَةَ هَلْ يُسْرِعُ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَمْ لَا مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهُ جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَرُوِيَ عَنْ عَمْرٍو، وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ إِذَا سَمِعُوا الْإِقَامَةَ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ السَّعْيَ، بَلْ أَنْ تُؤْتَى الصَّلَاةُ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ. وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتِ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ» . وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ رَأَوْا أَنَّ الْكِتَابَ يُعَارِضُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] وَقَوْلِهِ: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة: ١٠] ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: ١١] وَقَوْلِهِ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٣] .

1 / 159