138

Bidāyat al-mujtahid wa-nihāyat al-muqtasid

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Editor

فريد عبد العزيز الجندي

Publisher

دار الحديث

Publication Year

1425 AH

Publisher Location

القاهرة

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَهُ الْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ فِي الصَّلَاةِ مَحْمُولَةً عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِذَنِ الْأَصْلَانِ جَمِيعًا يَقْضِيَانِ هَاهُنَا أَنَّ الْجُلُوسَ الْأَخِيرَ فَرْضٌ، وَلِذَلِكَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُعَارِضٌ إِلَّا الْقِيَاسُ (وَأَعْنِي: بِالْأَصْلَيْنِ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ)، وَلِذَلِكَ أَضْعَفُ الْأَقَاوِيلِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْجَلْسَتَيْنِ سُنَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَبَتَ عَنْهُ ﵊ «أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ» وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ مِنْ هَيْئَات الْجُلُوسِ الْمُسْتَحْسَنَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ لِاخْتِلَافِ الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ، وَالثَّابِتُ أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ فَقَطْ.
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْفَرْضِ، وَأَجَازَهُ فِي النَّفْلِ. وَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ ثَابِتَةٌ نُقِلَتْ فِيهَا صِفَةُ صَلَاتِهِ ﵊، وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِذَلِكَ. وَوَرَدَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ صِفَةِ صَلَاتِهِ ﵊ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْآثَارَ الَّتِي أَثْبَتَتْ ذَلِكَ اقْتَضَتْ زِيَادَةً عَلَى الْآثَارِ الَّتِي لَمْ تُنْقَلْ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ يَجِبُ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهَا.
وَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْأَوْجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى الْآثَارِ الَّتِي لَيْسَت فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ ; لِأَنَّهَا أَكْثَرُ، وَلِكَوْنِ هَذِهِ لَيْسَتْ مُنَاسِبَةً لِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَانَةِ، وَلِذَلِكَ أَجَازَهَا مَالِكٌ فِي النَّفْلِ وَلَمْ يُجِزْهَا فِي الْفَرْضِ، وَقَدْ يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّهَا هَيْئَةٌ تَقْتَضِي الْخُضُوعَ، وَهُوَ الْأَوْلَى بِهَا.
الْمَسْأَلَةُ السّادِسَةُ ; اخْتَارَ قَوْمٌ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي وَتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَنْ لَا يَنْهَضَ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، وَاخْتَارَ آخَرُونَ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ سُجُودِهِ نَفْسِهِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَبِالثَّانِي قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ.

1 / 146