فهتف حسن بسرور: مبارك، أسر طبعا بسرورك وسرور أمنا!
تفرس في وجه الشاب ثم استطرد في لهجة لا تخلو من إشفاق وسخرية: وظيفة، ثم طنطا أو الزقازيق، أليس كذلك؟
فقال الشاب منتهزا هذه الفرصة التي هيأها الآخر كي يتقدم خطوة جديدة في سبيل غرضه: كلا، في نيتي أن ألتحق بالكلية الحربية! - الحربية! .. عظيم جدا! .. الحمد لله على أنك لم تختر مدرسة البوليس! - مصروفاتها كبيرة. - لا أعني هذا، ولكني لا أستلطف ضباط البوليس!
فحدجه الشاب نظرة تساؤل فقال حسن مبتسما: ضباط الجيش رجال أفراح، نراهم أمام المحمل وفي الاحتفالات الكبرى، أما ضباط البوليس فلا نراهم إلا عادين وراء خراب البيوت!
وساد الصمت وراحا يتبادلان النظرات؛ حسنين في قلق وحياء، وحسن في ابتسام له معناه، ولبثا كذلك طويلا حتى انفجر حسن ضاحكا، فضحك الآخر وهو يغض بصره حياء، وواصلا الضحك حتى تعبا، ثم سأله حسن بلهجة ذات مغزى: كم؟!
فضحك حسنين مرة أخرى وقد احمر وجهه من الحياء، ثم قال: الدفعة الأولى من المصروفات .. يؤسفني أن أقول إنها مبلغ لا يستهان به، ولكني سأدبر الدفعة الأخرى، ومصروفات العام الثاني من نقود حسين، وما وعدتني به نفسية!
وذكر حسن كيف كان يعد فيما مضى الخائب الفاشل في الأسرة جميعا؛ الآن يرونه ملاذهم في الملمات! وأحس زهوا، ولكن هذا لم يغير من شعوره الطيب المتأصل في نفسه نحو أسرته، بل لعله ضاعفه ، وساءل أخاه مبتسما: كم هذا المبلغ الذي لا يستهان به؟!
فقال حسنين في خوف: عشرون جنيها!
ولاح الانزعاج في عيني حسن، وقال وهو لا يدري: عشرون جنيها؟! إن جيشنا كله لا يساوي هذا المبلغ! .. هل تنوي الالتحاق بمدرسة اللواءات؟
وانتظر حسنين في اضطراب وقلق، ولم ينبس بكلمة حتى عاد الآخر يقول بجد واهتمام: هذا مبلغ جسيم حقا، ولا يمكنني أن أعطيك - اليوم على الأقل - أكثر من عشرة جنيهات!
Unknown page