al-Bidayat wa-al-nihayat

Ibn Katir d. 774 AH
136

al-Bidayat wa-al-nihayat

البداية والنهاية

Publisher

مطبعة السعادة

Publisher Location

القاهرة

Genres

History
يَا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ من الْمُرْسَلِينَ) ٧: ٧٧ فَجَمَعُوا فِي كَلَامِهِمْ هَذَا بَيْنَ كُفْرٍ بَلِيغٍ مِنْ وُجُوهٍ. مِنْهَا أَنَّهُمْ خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي ارْتِكَابِهِمُ النَّهْيَ الْأَكِيدَ فِي عَقْرِ النَّاقَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ آيَةً. وَمِنْهَا أَنَّهُمُ اسْتَعْجَلُوا وُقُوعَ الْعَذَابِ بِهِمْ فَاسْتَحَقُّوهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الشَّرْطُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ) ١١: ٦٤ وَفِي آيَةٍ عَظِيمٌ وَفِي الْأُخْرَى أَلِيمٌ وَالْكُلُّ حَقٌّ وَالثَّانِي اسْتِعْجَالُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّهُمْ كَذَّبُوا الرَّسُولَ الَّذِي قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ عِلْمًا جَازِمًا وَلَكِنْ حَمَلَهُمُ الْكُفْرُ وَالضَّلَالُ وَالْعِنَادُ عَلَى اسْتِبْعَادِ الْحَقِّ وَوُقُوعِ الْعَذَابِ بِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ١١: ٦٥ وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَطَا عَلَيْهَا قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَعَرْقَبَهَا فَسَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ ابْتَدَرُوهَا بِأَسْيَافِهِمْ يُقَطِّعُونَهَا فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ سَقْبُهَا وَهُوَ وَلَدُهَا شَرَدَ عَنْهُمْ فَعَلَا أَعْلَى الْجَبَلِ هُنَاكَ وَرَغَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ (تَمَتَّعُوا في دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ١١: ٦٥ أَيْ غَيْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْوَعْدِ الْأَكِيدِ بَلْ لَمَّا أَمْسَوْا هَمُّوا بِقَتْلِهِ وَأَرَادُوا فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنْ يُلْحِقُوهُ بالناقة (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) ٢٧: ٤٩ أَيْ لَنَكْبِسَنَّهُ فِي دَارِهِ مَعَ أَهْلِهِ فَلَنَقْتُلَنَّهُ ثُمَّ نَجْحَدَنَّ قَتْلَهُ وَنُنْكِرَنَّ ذَلِكَ إِنْ طَالَبَنَا أَوْلِيَاؤُهُ بِدَمِهِ. وَلِهَذَا قَالُوا. (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) ٢٧: ٤٩ قال اللَّهُ تَعَالَى وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ. فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ٢٧: ٥٠- ٥٣ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ قَصَدُوا قَتْلَ صَالِحٍ حِجَارَةً رَضَخَتْهُمْ سَلَفًا وَتَعْجِيلًا قَبْلَ قَوْمِهِمْ وَأَصْبَحَتْ ثَمُودُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ النَّظِرَةِ وَوُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ كَمَا أَنْذَرَهُمْ صَالِحٌ ﵇ فَلَمَّا أَمْسَوْا نَادَوْا بِأَجْمَعِهِمْ أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمٌ مِنَ الْأَجَلِ. ثُمَّ أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّأْجِيلِ. وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَوُجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةٌ فَلَمَّا أَمْسَوْا نَادَوْا أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مِنَ الْأَجَلِ. ثُمَّ أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ الْمَتَاعِ وَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ فَلَمَّا أَمْسَوْا نَادَوْا أَلَا قَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون مَاذَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالنِّقْمَةِ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يُفْعَلُ بِهِمْ وَلَا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَلَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَرَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَفَاضَتِ الْأَرْوَاحُ وَزَهَقَتِ النُّفُوسُ وَسَكَنَتِ الْحَرَكَاتُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَحُقَّتِ الْحَقَائِقُ فأصبحوا في دارهم جاثمين جُثَثًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا وَلَا حِرَاكَ بِهَا. قَالُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا جَارِيَةٌ كانت مقعدة واسمها كلبة ابنة السلق. ويقال لها الذريعة وَكَانَتْ شَدِيدَةَ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ ﵇ فَلَمَّا رَأَتِ الْعَذَابَ أُطْلِقَتْ رِجْلَاهَا فَقَامَتْ تَسْعَى كَأَسْرَعِ شَيْءٍ فَأَتَتْ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا رَأَتْ وَمَا حَلَّ بِقَوْمِهَا وَاسْتَسْقَتْهُمْ مَاءً فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ٧: ٩٢ أَيْ لَمْ يُقِيمُوا فِيهَا فِي سَعَةٍ وَرِزْقٍ وَغَنَاءٍ (أَلا إِنَ

1 / 136