رأيتها تقطب حاجبها قليلا وهي تنصت دون أن تنبس بشيء، ثم غمغمت بكلمة لم أتبينها، وأعادت السماعة إلى مكانها في بطء.
تشاغلت بالنظر إلى خزانة زجاجية احتوت على نسخ من منشورات الدار في مجلدات فاخرة . وخاطبتني من خلف مكتبها وهي تومئ إلى جهاز التليفون: هذه كانت صديقتي التي تحدثنا عنها. للأسف أنا مضطرة للانصراف الآن. تحب أوصلك إلى أي مكان؟
قلت: أنا ذاهب إلى الفاكهاني.
مالت على الديكتافون وضغطت زره ثم همست فيه بكلمتين. وجذبت حقيبة يد صغيرة من فوق المكتب ونهضت واقفة.
وضعت فنجاني في الصينية، وتناولت حقيبتي وأنا أنهض بدوري، وتبعتها إلى الخارج.
كانت السكرتيرة تنتظرنا وبجوارها الشاب الطويل الذي تقدمنا إلى الخارج بنشاط. خطوت نحو المصعد، لكن لميا مدت يدها ولمست ذراعي قائلة: ننزل الدرج أحسن. تعليمات الأمن. - لماذا؟ - المصعد يمكن أن يكون ملغما وينفجر.
نزل الشاب أمامنا على الدرج، ومالت لميا برأسها ناحيتي فلفح عطرها أنفاسي.
قالت هامسة وهي تومئ إليه بعينيها: تعليمات الأمن أيضا ألا أذهب إلى أي مكان دون حارس.
سبقنا المرافق إلى سيارة شيفرولية حديثة الطراز، احتل مقعد قيادتها سائق في بزة ذات صفين من الزراير النحاسية اللامعة، فجذب بابها الخلفي إلى الخارج، وانتظر حتى صعدت لميا، فأغلقه ودار حول السيارة وأنا أسير في أعقابه. وفتح لي الباب الآخر، وبعد أن أغلقه خلفي، أكمل دورته حول السيارة واحتل المقعد المجاور للسائق.
قلت والسيارة تنطلق من أمام السفارة الأمريكية وتتجه إلى الحمرا: يمكنك أن تقرئي المخطوطة على مهل؛ فسأبقى في بيروت عشرة أيام أخرى على الأقل.
Unknown page