قلت: بالعكس، إنه كتاب إباحي.
طرفت عيناه بسرعة ثم ركن إلى الصمت. وبعد قليل سألني في تردد: هل تكسب .. هذه الكتب؟
أجبت: أوهوه .. كثيرا.
أحسست أني أستحق كأسا أخرى، فقررت التضحية بدولار ثان. وأفضيت بمطلبي إلى المضيفة عندما مرت توزع الصحف.
أخذت منها صحيفتين لبنانيتين، ناولت إحداهما لجاري. ولمحت معها عدة صحف أمريكية فأخذت إحداها. ألقيت نظرة على النصف الأسفل للصحيفة اللبنانية، فألفيته موزعا بين ثلاثة موضوعات رئيسية؛ الأول عن المؤتمر الصحفي الذي عقده ريجان بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة. والثاني عن قصف إسرائيلي جديد للجنوب اللبناني. أما الثالث فكان يتضمن تصريحا لوزير خارجية العراق يدافع فيه عن الحرب التي شنتها بلاده على إيران قائلا إنها ستحرر القوى الاقتصادية والعسكرية العراقية من «الشاغل» الإيراني لتصبح قادرة على التصدي للخطر الإسرائيلي.
بسطت الجريدة فطالعني في صدرها عنوان كبير نصه: «قرارات حاسمة بوقف إطلاق النار في بيروت الغربية». بحثت عن التاريخ فوجدته السابع من نوفمبر، تشرين الثاني 1980، وهو تاريخ اليوم. عدت إلى النبأ فقرأت ما يلي: «تم في الساعات الأخيرة اتخاذ قرارات حاسمة لتطويق الاشتباكات التي جرت في اليومين الأخيرين ببيروت الغربية، وذلك في أعقاب سلسلة من الاتصالات بين قادة الأحزاب والهيئات اللبنانية، والمنظمات الفلسطينية، والسلطات السورية.»
وقرأت أسفل ذلك التفاصيل الكاملة للأحداث المشار إليها. وقد بدأت عندما كانت سيارة رئيس نقابة بائعي الخضر في بيروت الغربية، ويدعى «منير فتحة»، تحاول العبور في أحد التقاطعات قبل سيارة أخرى يقودها أحد أعضاء الحزب القومي الاجتماعي. وتبادل السائقان الشتائم، ثم أشهر كل منهما مسدسه في وجه الآخر. وبادر سائق السيارة الثانية بإطلاق النار فأصاب رئيس النقابة في مقتل، وسارع بالفرار.
وما إن علم بالحادث ابن القتيل، وهو من قادة التنظيم الناصري المعروف باسم «المرابطون» حتى شكل في الحال مجموعة عسكرية من أعضاء التنظيم هاجمت منزل بشير عبيد، أحد زعماء الحزب القومي الذي ينتمي إليه القاتل. ووجد المهاجمون لديه زعيما آخر من زعماء الحزب هو الشاعر كمال خير بك، وابنة أخته الشابة ناهية بجاني، فأعدموا الثلاثة. وتفجرت الاشتباكات بين أعضاء الحزبين على إثر ذلك.
فتشت في أنحاء الصحيفة عن تفصيلات جديدة فلم أجد سوى إشارة إلى افتتاحية لجريدة «السفير» اللبنانية تقول فيها إن الميليشيات المسلحة في الغربية، سواء كانت تابعة أو محسوبة على الحركة الوطنية أو المقاومة الفلسطينية أو الحكومة السورية، أو - بتعبير الصحيفة - «فاتحة على حسابها»، هي المسئولة عن الانفلات الأمني والتسيب، وما يقع في ظلهما من جنايات وجرائم، ابتداء من القتل والسطو المسلح، إلى فرض الإتاوات واغتصاب الشقق والبنايات، إلى تكدس النفايات.
وضعت الجريدة جانبا، وبسطت الجريدة الأمريكية. كانت بتاريخ اليوم السابق. وعثرت في ذيل الصفحة الأول على مربع صغير بعنوان: «الحرب التي لا تريد أن تنتهي». ومرت عيناي بسرعة على السطور التالية: «تعطي الاشتباكات المسلحة التي جرت أمس في بيروت الغربية صورة بالغة الدلالة لما وصلت إليه الأمور في لبنان، منذ اندلاع الحرب الأهلية في سنة 1975، بين أبناء هذا البلد الجميل (3 ملايين نسمة قبل الحرب، انخفضوا إلى مليونين ونصف الآن).»
Unknown page