قال: أنت تسليني جدا باكتشافاتك البوليسية. لقد كنت دائما أعتبرك أقرب شخص إلي، وها أنت قد خيبت ظني فيك.
قلت: الحياة سلسلة من خيبات الظن. الغريب في الأمر أني - بيني وبين نفسي - لا ألومك على شيء.
حانت مني نظرة إلى شاشة التليفزيون، فوجدت نشرة الأخبار قد بدأت. مددت يدي ورفعت درجة الصوت، واستمعت إلى المذيع يتحدث عن ثلاثة مليارات من الدولارات أخذها العراق من السعودية لتعويض خسائره في الحرب مع إيران، ثم ظهرت صورة السادات على الشاشة بمناسبة حديث أدلى به إلى مجلة «دير شبيجل» الألمانية، وأعلن فيه أن العلاقات المصرية الأمريكية هي علاقات استراتيجية، وأن «بلاده» مستعدة لتقديم التسهيلات للولايات المتحدة والدول الغربية من أجل الدفاع عن مصالح هذه الدول في الخليج.
بدا أن السادات قد احتكر الأمسية؛ فما لبث أن ظهر في اجتماع لحزبه في القاهرة. وفي هذه المرة جاءنا صوته المميز يقول: «في يوم 27 مايو 79 .. يعني بعدما رفعت العلم على العريش ... يوم 27 كنت في العريش وجه ليه بيجين .. ورحنا زرنا بير سبع .. يعني الموضوع انتهى بتاع سينا خلاص .. برفع العلم على العريش .. قلت له تعالى نقعد .. اللي تم امبارح لما أنا رفعت العلم على العريش .. دي معناها كبير جدا .. ليه؟ معناها إنه إنتم فعلا بتحترموا اتفاقاتكم .. وأنا عارف هذا .. إنتم فعلا بتنفذوا التزاماتكم .. طب ما تيجي وفاضل لنا سنة عشان الحكم الذاتي الفلسطيني .. ما تيجي من دلوقت نخلص الاتفاق .. ما تيجي يا بيجين .. وبيجين قال مفيش مانع ... إيه رأيك؟ مكنش فيه حاجة .. ما طلبش مني شيء أكثر من إجراءات أمن .. كل إجراءات الأمن اللي طلبوها قلت لهم أديهالكو وزيادة. قال لي شيء عظيم جدا .. قلت له إيه رأيك في مليون متر مكعب يوميا من مياه النيل .. قاللي شيء عظيم جدا ...»
شعرت فجأة بالإرهاق والرغبة في النوم، فقمت واقفا وأنا أقول: سأدخل لأنام.
لم ينبس بحرف وظل يتطلع إلى شاشة التليفزيون في وجوم. ملت عليه ووضعت يدي على رأسه قائلا: صدقني يا وديع، أنا لا ألومك أبدا.
24
بدا المرافق الفحل ساهما، وقد احتل مقعدا إلى جوار مكتب السكرتيرة، ومد ساقيه الطويلتين أمامه، فأوشك أن يسد الطريق. وكان مسدسه، كالعهد به، يتدلى من خاصرته.
قالت السكرتيرة وهي تومئ إلى الغرفة الداخلية: المدام تنتظرك.
خطوت في الممر المؤدي إلى غرفتها، ورأيتها تقف عند الباب مادة يديها نحوي. احتوت يدي بين راحتيها وجذبتني إلى الداخل، ثم تخلت عني واتجهت إلى مقعدها خلف المكتب قائلة: اجلس واحك لي ما حصل.
Unknown page