Bayna Jazr Wa Madd
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Genres
أعرف أننا اعتدنا إطلاق هذه الكلمة على علم اللغة، كما نسمي العارف بأصوله «عالما»، فعندنا في مصر مئات (ولماذا لا أقول ألوف؟) «العلماء» في اللغة والفقه، الحائزين لشهادة «العالمية» من الأزهر أو من مدرسة القضاء الشرعي، ولكنهم ليسوا «علماء» بالعلوم الرياضية والطبيعية ... إلخ، غير أنهم يتبعون نظاما معينا في ألقابهم وفي دراستهم جميعا.
أما المجامع التي تؤلف في هذه الأيام، وتسن لها القوانين على الطراز الحديث؛ فعليها أن تسمي الأشياء بأسمائها دون إبهام ولا إشكال. •••
في القاهرة مجمع يدعى «المجمع العلمي المصري» أنشأته الحملة التي صحبت نابوليون من الاختصاصيين في مختلف العلوم، وأعضاؤه اليوم خليط من وطنيين وأجانب، وكلهم من صفوة العلماء في هذه الديار، يتطارحون في قاعته المحاضرات العلمية النفيسة، ثم «الجمعية الجغرافية» ومحاضراتها تبحث في حدود البلدان وطبيعتها وأخلاق أهاليها وعاداتهم، كذلك جمعية «الاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع» تعنى بما ينطبق على اسمها ويدخل في دائرتها.
أما المجمع الذي كان قصده كقصد المجمع البيروتي، فكان يدعى «المجمع اللغوي»، ومن أعضائه: الدكتور صروف، وأحمد زكي باشا، والأب لامنس اليسوعي، والمغفور لهما: شيخ الأزهر السابق، وحفني بك ناصف. وقد دعا إلى إنشائه أحمد لطفي بك السيد يوم كان مديرا لدار الكتب.
لقد كان لطفي بك عاملا كبيرا في تكوين النزعة المصرية الحديثة، وكان له في «الجريدة» أبحاث خطيرة اجتماعية وقانونية وسياسية وفلسفية وأدبية، وقد عني باللغة عناية خاصة، ومن رأيه إدخال اصطلاحات المعاملات وما حسن من الألفاظ العامية في لغة الكتابة، وقبول كل لفظة أجنبية ليس لها مقابل في العربية لتسمية الأدوات والآلات وتعريف المشاعر النفسية ... إلخ. •••
عقد المجمع جلساته الأولى في دار الكتب، وبدأ أعماله بتعيين لجان تبحث في الشئون التي عهد بها إليها؛ فهذه تبحث عن الاصطلاحات العلمية، وتلك عن الاصطلاحات الفلسفية ، وتعنى غيرها بالمسميات السيكولوجية ... إلخ. وقد رأيت قائمة حسنة «لمصطلحات علوم الفلسفة الحديثة» قدمت إلى المجمع من أحد أعضائه أمين بك واصف، ثم جاءت الحركة المصرية تهز الأمة منذ 13 نوفمبر 1919؛ فاستقال لطفي بك من منصبه لينضم إلى الوفد المصري المجاهد في أوروبا لتحرير البلاد، وتمزق شمل المجمع، وتوفي بعض أعضائه ولم نسمع عنه بعدئذ خبرا.
ولا أظنه عائدا إلى الالتئام في هذه الأيام العصيبة أيام المظاهرات والألوية، أيام «فليحيا» و«ليسقط»، بين تشكيل الوفد الجديد وانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية المقبلة التي ستكون بمثابة «برلمان» نيابي.
السياسة هي الزي الذي تتزيا به اليوم أفراد الأمة: فمن عالم ماذا يريد، ومجاهر بما يعتقد، ومن تابع هو سعيد بأن يسير أمامه قوم ليسير في أثرهم مع التابعين ...
«الإجبشن ميل» تناقش
1
Unknown page