Bayna Asad Ifriqi Wa Namir Itali
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Genres
إنني أتممت حرب الفندائيين لما انتحلت الكثلكة، واستوليت على مصر إذ أسلمت، وتوجت بالظفر في حرب إيطاليا لأني قلت بعصمة البابا، ولو كنت أحكم شعبا يهوديا لأعدت بناء معبد سليمان.
1
ونحن إن أنكرنا على بطل أو زعيم ذكاء العقل، أو بعد النظر، أو حب الخير، أو العطف على قومه، أو التقلب في المبادئ، أو قلب ظهر المجن لأصدقائه وسادته بالأمس، فلا ننكر عليه المهارة والحذق في معرفة كيفية التأثير في خيال الجماهير؛ فقد أتقنه بالفطرة، أو أنه كان قوة كامنة في حنايا ضلوعه، وفي أركان عقله الباطن، حتى أظهرته الحوادث.
وقد ظهر لنا وللعالم أجمع أن التأثير في خيال الجماعات كان همه الدائم، فلم ينسه في فجر حياته ولا في ضحاها، ولم يهمله في مغامراته الأولى والأخيرة، ولم يفرط فيه في انتصاره وخذلانه، لا في أقواله وأفعاله، ولا في عمل من أعماله، بل هو يفكر فيه ليل نهار، وسوف يفكر فيه على سرير موته بعد عمر قصير أو طويل.
وإن هذه الخطب لتوهمن سامعها أن هذا النظام أو ذاك الذي ابتكره زعيم من الزعماء هو الذي جعل أمة من الأمم القديمة أو الحديثة سعيدة أو غنية، وهذا خطأ من الأخطاء المعنوية التي تشبه خطأ البصر أو السمع الذي قد يؤدي إلى سوء الاستنتاج في المرئيات والمسموعات؛ لأنه ثبت بالاختبار التاريخي أن التأثير الحقيقي في حياة الشعوب لا يكون من طريق النظم أو تغييرها.
فلا يمكن أن يقال الجمهورية أفضل من الملكية، أو الديكتاتورية أنفع من الديمقراطية، فإذا نظرنا إلى جمهورية الولايات المتحدة رأيناها ترفل في حلل الرخاء، وتخطر في جلباب السعادة بفضل نظمها الديمقراطية، حتى إذا رجعنا إلى الجمهوريات الإسبانية الأمريكية (وهي التي تتمتع بنظام جمهوري كالولايات المتحدة) ألفيناها تتعثر في أذيال التقهقر والفوضى، وحكمنا بأنه لا دخل لتلك النظم في سعادة الأولى، ولا في شقاء الثانية، وبأن الذي يحكم الأمم إنما هو أخلاقها ، وكل نظام لا يندمج مع هذه الأخلاق ويمتزج بها تمام الامتزاج يكون أشبه بالثوب المستعار. وهو ستار لا يدوم.
لقد قامت حروب دموية، وهبت ثورات عنيفة، وستقوم حروب وتهب ثورات، وكان الغرض منها وسوف يكون إلزام الأمم بنظم يعتقد الناس أنها مجلبة السعادة، وقد يقال: إن النظم تؤثر في نفوس الجماعات لأنها تفضي إلى مثل تلك الحروب والثورات، والصحيح أن لا تأثير لها البتة؛ لأنا قد عرفنا أنها لا قيمة لها في ذاتها، سواء أكانت الغلبة لها أم عليها، وإنما الذي يؤثر في الجماعات أوهام وألفاظ، وعلى الأخص الألفاظ الخيالية.
وقد تؤدي تلك الألفاظ الخيالية القوية إلى المطامع القومية، والحروب الاستعمارية التي يصحبها إهراق الدماء، وخراب الممالك، والتعدي على الشعوب الآمنة المطمئنة، وتقويض أركان السلم في أنحاء العالم القريبة والبعيدة.
وقد كان لبعض رجال السياسة في أوروبا، ولا سيما في الأمم اللاتينية أسوأ الأثر في حياة شعوبهم، ومن هؤلاء الرجال جورج كلمنصو الذي كان يسمى بالنمر، وسمي «أبا النصر»
، ثم أهملته الأمة الفرنسية أعظم إهمال ونبذته؛ لأنها قرنت اسمه بكل أهوال الحرب ومصائبها.
Unknown page