Bayna Asad Ifriqi Wa Namir Itali
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Genres
ولكن بقدر ما كان هؤلاء السادة عظماء كان هذا الوزير سخيفا، فإنه أراد أن يقلد إنجلترا في سياستها الخارجية، ويترسم خطوات بيكنسفيلد وغلادستون على ما كان بينهما من الخلاف والتناقض، ومن هنا كان الفشل الذي أصاب كريسبي في سياسته، والذي انتهى بهزيمة عدوة، وسقوط وزارة هذا الرجل، على أنه كان يبدو على خطة كريسبي أثر من النجاح في بدايتها لو أن الملك يوحنا قاهر المصريين كان منفردا بالسلطة في الحبشة؛ لأنه تساهل معهم وغض الطرف عن زحفهم، ولكن منليك كان شريكه وأعلى منه مكانة في السياسة، وكعبا في الحرب، فانبرى للطليان، وكلف أحد قواده بطردهم من البلاد، وسير جيشا إلى هرر فامتلكها.
1
وفي يناير سنة 1887، التقى الجيش الحبشي بالجيش الإيطالي في دوجالي، وكان الفرق بين الجيشين عظيما في العدد والعدد، فهزم الطليان، وقتل معظمهم، وأسر بعضهم، وعادة الأحباش في كل حروبهم أن يلقوا خصومهم بجيش يفوقهم عشرات المرات حتى يدخلوا الارتباك والاضطراب في صفوفهم.
ووصلت أنباء هزيمة الطليان إلى روما، فسببت غضبا وطنيا كما حدث في مصر سنة 1874، وكذلك أعدت إيطاليا جيشا قوامه اثنا عشر ألف عسكري، كما أعدت مصر في سنة 1875 جيشا قوامه 15000 عسكري، وأبحر جيش إيطاليا من نابولي يقصد إلى إريتريا، وتوسط الإنجليز في الصلح فلم يفلحوا، وفي مارس سنة 1888، مرض قائد هذا الجيش فجأة فتوقف عن القتال، واستعمل الطليان حيلة للإيقاع بين الأحباش والسودان والإنجليز فلم يوفقوا، وعرضوا على منليك أن ينضم إليهم في القضاء على الملك يوحنا صديقهم القديم فرفض عرضهم، وقبل هداياهم من السلاح والمال.
ومما يذكر لملوك الحبشة بالثناء العطر، ويكتب بمداد الفخر، أنهم مهما دب بينهم دبيب الشقاق في شئونهم الداخلية، وتنافسوا على العرش، فلا يتفقون مع الأجنبي على محاربة بعضهم بعضا، فإن منليك على بغضه يوحنا، واتهامه إياه بموآزرة الطليان والتساهل لهم حتى أنشبوا أظافرهم في جلد الحبشة ولحمها، أبى أن يناصر الطليان على يوحنا؛ لأنه يعلم أن الطليان يستعينون به على هلاك إحدى القوتين، ثم ينفردون له فيوقعون به بدوره، وتكون لهم عليه يد هو في أشد الغنى عنها؛ لأن يوحنا مهما تقوى فلن ينال من منليك ما يناله الطليان منه بعد ذهاب يوحنا، وأن في بقاء يوحنا إلى جانب منليك استبقاء لقوتين تحاربان إيطاليا، وهما على كل حال خير من قوة واحدة.
2
ولم يكن يوحنا قاهر المصريين بالملك الذي يستهان به، فإنه حارب التعايشي في القلابات، وهزم الدراويش في المتمة، ولكن شهر مارس الذي حمل له النصر في سنة 76 على المصريين جاءه بالبلاء في سنة 88، فخر قتيلا في 9 مارس في نفس ساعة انتصار الخليفة على جيش الأحباش.
ولما كان الأحباش من أهل الفطرة الذين يفقدون رشدهم إذا فقدوا قائدهم، فقد ركبوا رءوسهم وفروا وتركوا جثة مليكهم وقائدهم بين يدي الدراويش، فأمر التعايشي بدفنه بعد أن سلب كتبه وسلاحه، وبعث بها إلى عاصمة ملكه، وانتهز منليك هذه الفرصة وقد حلت له الأقدار عقدة كان عن حلها عاجزا، فنادى بنفسه ملكا على ملوك الحبشة.
وكان الطليان متربصين، وقد ظنوا أن الدهر قد حالفهم فاحتلوا مدينة دوجالي التي هزموا لديها، وانتهزوا فرصة انشغال منليك بنشوة النصر المعنوي والصعود إلى العرش، فعقدوا معه معاهدة في مايو سنة 1888 في أوشيال.
وكان رجل إيطاليا لدى التعاقد هو أنطونيلي نفسه الذي اتصل بمنليك منذ أربع سنوات، وظن أنه تخصص في السياسة الحبشية.
Unknown page