Bayna Asad Ifriqi Wa Namir Itali
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Genres
فكأنه حيل بين ملكين شرعيين؛ وهما: ليجياسو وزوديتو؛ ليصل الإمبراطور هيلاسيلاسي إلى العرش، وهو ابن الرأس ماكونين الذي يعادل منليك الثاني في شجرة النسب؛ فإن ساهالاسيلاسي رزق هيلا ملاكوت ووازيرو نتانا، فولد لهيلا ملاكوت منليك الثاني، وولد لنتانا رأس ماكونين الذي ولد له هيلاسيلاسي، فمنليك الثاني ورأس ماكونين أولاد عم، وزوديتو تعادل هيلاسيلاسي في درجة القرابة، وليجياسو بمثابة ابن الأخت لهيلاسيلاسي.
وليس هنا مجال البحث فيما إذا كان هيلاسيلاسي مغتصبا للعرش من ليجياسو أولا، ومن زوديتو ثانيا.
فإن ليجياسو عزل سنة 1916 بإرادة الحلفاء؛ لأن سياسته كانت تجعله إلى الألمان والأتراك أقرب، فسعى الفرنسيون في إبعاده بحجة أنه يبطن الإسلام ويظهر النصرانية، بسبب أن أباه كان مسلما وانتحل النصرانية طمعا في نسب الإمبراطور، وزعموا في ذلك الوقت أنه سافر إلى حدود الحبشة، وقابل وفدا من تركيا بايعهم على الإخلاص لهم، وأنه كان يلبس عمامة مكتوبا في ثناياها لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأنه صلى صلاة المسلمين، ونشر راية عليها نص الشهادة الإسلامية.
فتقدم الحلفاء بالرأس «تفري» ليحل محله، وقامت بينهما حروب دامية، وانضم الرأس ميخائيل الذي كان لا يزال على قيد الحياة لولده، ولكن «تفري» انتصر في النهاية وسجن ليجياسو وقيده بسلاسل من ذهب، ولم يحكم عليه بالإعدام؛ لأن تقاليد الأسرة المالكة في الحبشة لا تبيح قتل الأمراء صبرا إلا عند الضرورة القصوى.
6
وإذن تكون الأقدار قد اختارت الأمير تفري ابن الرأس ماكونين ليتلقى الهجوم الأوروبي الأخير على بلاد الحبشة، فرفع بذلك عبء تلك المسئولية الخطيرة عن كاهلي امرأة ورجل هما زوديتو وليجياسو . وفي الحق إن بلادا كالحبشة لا يحدث فيها أن يصل ولي العهد المعين من سلفه إلى العرش إلا نادرا، بل يصل إلى العرش من يستطيع الوصول إليه بالقوة أو الحيلة؛ لأن الأمم المتحضرة هي وحدها التي تستطيع أن تحترم تسلسل الأبناء والأحفاد على العروش، وتحافظ على النظم الموضوعة لتتويج الملوك أو الملكات، وتوليهم شئون بلادهم.
فبينا ترى دولة كإنجلترا تحكمها فتاة، هي الملكة فكتوريا، ولما تبلغ نهاية العقد الثاني، ويمتد عهد ملكها إلى أن تبلغ الشيخوخة الفانية، وقد بلغت دولة بريطانيا في عهدها من العظمة والاتساع والنفوذ والسلطان ما لم تبلغه دولة أخرى، بل ما لم تبلغه إنجلترا نفسها إلا في عهد الملكة إليزابث.
ولم يخطر ببال أحد أن يعرض على الملكة الشيخة أن تتنحى عن العرش وقد بلغ ولي عهدها (الذي صار فيما بعد الملك إدوارد السابع) من الكبر عتيا، وشاب فوداه ولحيته وهو لا يزال وليا للعهد! كل ذلك ليس إكراما لشخص الملكة، أو عطفا على شيخوختها، أو تقديرا لجهادها، أو تفاؤلا بحسن طالعها؛ لأن إنجلترا نالت في عهدها ما لم تنله في عهد سواها، ولكن لأن الأمة وضعت نظاما خاصا بالملك، وأرادت أن تحترمه. وهذا ما لا يحدث في معظم ممالك الشرق.
وفي نفس هذا الوقت كان سلاطين آل عثمان وأولياء عهدهم ووزراؤهم ورجال حاشيتهم يدبرون لبعضهم بعضا صنوف المكايد والمقالب، فيخلعون من يخلعون بفتوى شرعية، يبادر بتقديمها جماعة السوفته (علماء الدين)؛ بحجة أن السلطان خالف الشرع الشريف، أو فقد عقله فاستحق العزل، وإذا رؤي الاستغناء عن الفتوى فإن كأس السم أو حد الخنجر حاضران للخلاص من أيهم، ولا يزال مصرع السلطان عبد العزيز والسلطان مراد وغيرهما سرا غامضا.
ولم يكن الأمر مقصورا على سلاطين آل عثمان، بل كان شاملا لعروش الشرق جميعا، فكانت حظوظ هذه العروش وأصحابها في أيدي المصادفات والمطامع، وإن هذا لداء دفين في الشرق، وفي كل مملكة تشبه الشرق، وقد سرى الداء إلى بعض ممالك البلقان، فكان مصرع الملك إسكندر، والملكة دراجا في عاصمة الصرب من أروع المصارع وأفظعها.
Unknown page