Bayna Asad Ifriqi Wa Namir Itali
بين الأسد الأفريقي والنمر الإيطالي: بحث تحليلي تاريخي ونفساني واجتماعي في المشكلة الحبشية الإيطالية
Genres
ومذ بدأت بريطانيا مظاهراتها البحرية والجوية، أخذت تنتشر شائعات عن إمكان اتقاء الحرب، وتقهقر إيطاليا وقبولها بامتيازات اقتصادية أقل من الانتداب لتعوض عليها «خسارتها» في البر والبحر.
فشل المؤتمر الثلاثي في باريس، وهو الهيئة التحكيمية الثانية التي فشلت. أولاها اللجنة المختلطة «لاهاي»، وهذه هي الثانية.
وما زالت فرنسا وبريطانيا على استعداد لبذل الجهود لتسوية الخلاف بين الدولتين، ورجال العصبة يذكرون أن شعوب العالم جاهدت في السنين التي تلت الحرب بجد وإخلاص لإيجاد عهد دولي جديد يقيها شر ويلات الحروب؛ لأن الحرب هي العدو الألد لكل تقدم.
وكانت إيطاليا في مقدمة الأمم التي سعت هذا السعي المشكور، وعقدت في بلادها مؤتمرات السلام، مثل: رابالو، ولوكارنو، وكيلوج، وستريزا، وقطعت معظم الدول على نفسها عهودا في ميثاق باريس بالعدول عن اتخاذ الحرب أداة للسياسة الوطنية. وعلى هذا الرأي كان مندوبو إنجلترا وفرنسا، إلا مندوب إيطاليا، فقد قدم بيانا قوامه 5000 كلمة كلها مطاعن قاسية في الحبشة، وأيد مطاعنه بتقرير لوجارد، وببعض ما كتبته لادي سيمون خاصا بتجارة الرقيق، وأن الحبشة تعتدي على أرواح الطليان وأموالهم، وتمتد أقدامهم إلى حدود الأراضي الإيطالية، ورد مندوب الحبشة على تهم إيطاليا ونفاها وفندها، وقد عد بعضها بمثابة إعلان حرب من إيطاليا على الحبشة.
وكانت ألمانيا تلزم الصمت، وتقول صحافتها: إن السياسة الألمانية لا علاقة لها بالمشكلة الحبشية، ولكن المسألة تهمها من وجهة أخرى؛ وهي ضرورة السلم واليسر في البلدان الأخرى؛ لتتمكن ألمانيا من عمل التجديد الوطني في بلادها، ولكن العالم كله يعلم أن ألمانيا متربصة بإيطاليا والنمسا، فإذا أعلنت الحرب مدت يدها إلى النمسا وضمتها إليها، وحققت حلم النازي وحلم بيسمارك، وحلم الجامعة الألمانية، فتصبح دولة الرايش أقوى مملكة في أوروبا.
ولا يغني إيطاليا عن ذلك استعدادها على الحدود النمسوية وحشد جنودها، كما فعلت في العام الغابر عند الثورة النمسوية. وبعض رجال السياسة على رأي خاص في عصبة الأمم وخططها وما أصابها من ضروب الفشل، وما ارتكبته من الأغلاط في أساليب عملها بتعكر جو الثقة بين الدول، فصارت تتدلل عليها وتتهددها بالانسحاب، بل وتنسحب فعلا كلما حاولت أن تنفذ خططها القومية كما فعلت اليابان وألمانيا.
وفي الوقت الذي اتحدت فيه كلمة أوروبا على إنصاف الحبشة كان المسلمون فيها يعاهدون إمبراطورهم على الدفاع عن الوطن، وقد أشاع البعض في مصر أن المسلمين مضطهدون في إثيوبيا، وأنهم رازحون تحت مظالم الاضطهاد الحبشي الذي منشؤه التعصب الديني. وفي أواسط الصيف اجتمعت الجمعية الوطنية الإسلامية في الحبشة وقررت مقابلة النجاشي، وعرض خدمتهم العسكرية الوطنية على جلالته؛ بشرط تسليحهم وتدريبهم تدريبا حربيا، ومساواتهم بإخوانهم النصارى في بعض الحقوق. وهكذا صح ما قلناه، في غير هذا الموطن من الكتاب، من أن حروب الدول في الحبشة ساعدت على تكوينها واتحاد عناصرها.
وفي يوم 11 سبتمبر، اجتمع مجلس العصبة، وألقى سير صموئيل هور خطابا يعد من أخطر ما فاه به رجال السياسة في هذا العام، وهو من نوع الخطب التي كان يلقيها سترزمان،
12
وبريان،
Unknown page