فمس سوالفه بأنامله وهو يقول بصوت شاك: شاب شعري الله يسامحك (ثم بصوت خافت) الست هنا؟
فحاكت صوته الخافت على سبيل المزاح، وقالت: نعم ... في خلوة مع رفيق قد الدنيا. - ألا تغضب إذا علمت بحضوري في هذه الساعة؟
فاستدارت وهي تهز منكبيها استهانة ورقيت الدرج وهي تقول: وهل أنسب من هذه الساعة لحضور عاشق مثلك؟ - إذن لا ترى بأسا في اجتماعنا ببيتها؟
فحركت رأسها حركة راقصة وقالت: لعلها ترى كل البأس في عدم اجتماعنا! - عاشت ... عاشت.
فاستطردت في لهجة تنم عن الفخر قائلة: لست عوادة فحسب، أنا بنت أختها، وهي لا تضن علي بغال ... تقدم بسلام.
ولما بلغا الدهليز جاءهما من الداخل صوت غناء لطيف يصاحبه عود ودف، فأنصت ياسين قليلا ثم تساءل: خلوة أم حفلة؟
فهمست في أذنه: خلوة وحفلة معا، عشيق السلطانة رجل صاحب طرب ومزاح، لا يطيق أن يخلو مجلسه ساعة من العود والدف والكأس والضحك ... وعقبى لك.
ومالت إلى باب ففتحته ودخلت وهو وراءها، ووضعت المصباح على كنصول، ثم وقفت أمام المرآة لتلقي نظرة فاحصة على صورتها، فتناسى ياسين زبيدة وعشيقها الطروب، وسدد عينيه المنهومتين إلى الجسم المشتهى، الذي بدا لناظريه متجردا عن الملاءة لأول مرة ، سددهما بقوة وتركيز وحركهما في أناة وتلذذ من فوق لتحت ومن تحت لفوق، ولكنه قبل أن ينفذ نية من عشرات النوايا التي اعتلجت في صدره، قالت زنوبة كأنما تصل ما انقطع من حديثها: رجل لا نظير له في لطفه وطربه، أما كرمه فحدث عنه من اليوم إلى الغد ... هكذا يكون العشاق وإلا فلا.
لم يغب عنه ما في إشارتها إلى «كرم» عشيق العالمة من معان، ومع أنه سلم من بادئ الأمر بأن غرامه الجديد سيفرض عليه ضرائب باهظة إلا أن تلميحها - الذي بدا له مبتذلا - ضايقه، فلم يسعه إلا أن يقول مدفوعا بغريزة الدفاع عن النفس: لعله رجل واسع الثراء!
فقالت وكأنها تجيبه على مناورته: الثراء شيء والكرم شيء آخر ... رب ثري بخيل.
Unknown page