فبادر فهمي إلى تصحيح رأي أخيه قائلا: هي من خطبة سعد أمام سلاطين الاحتلال في جمعية الاقتصاد والتشريع.
فتساءل ياسين باهتمام ودهشة: وكيف كان ردهم عليه؟
فقال فهمي بانفعال: لم يجئ ردهم بعد، والكل يتساءل عنه في حيرة وقلق، إنها غضبة مزمجرة في وجه أسد لم يؤثر عنه الحلم أو العدل.
ثم وهو يتنهد مغيظا محنقا: كان لا بد من غضبة بعد أن منع الوفد من السفر، وبعد أن استقال رشدي باشا من الوزارة، فخيب السلطان المأمول بقبول استقالته.
ثم مضى إلى حجرته مسرعا، وعاد وهو يبسط ورقة مطوية وقدمها إلى أخيه وهو يقول: ليست الخطبة كل ما عندي، اقرأ هذا المنشور الذي يوزع سرا متضمنا رسالة الوفد إلى السلطان.
فتناول ياسين المنشور وراح يقرأ:
يا صاحب العظمة ...
يتشرف الموقعون على هذا أعضاء الوفد المصري أن يرفعوا إلى مقام عظمتكم بالنيابة عن الأمة ما يلي:
لما اتفق المحاربون على أن يجعلوا مبادئ الحرية والعدل أساسا للصلح، وأعلنوا أن الشعوب التي غيرت الحرب مركزها يؤخذ رأيها في حكم نفسها أخذنا على عاتقنا السعي في استقلال بلادنا والدفاع عن قضيتها أمام مؤتمر السلام ما دام أن الحق للأقوى قد زال من ميدان السياسة، وما دامت بلادنا قد أصبحت بزوال السيادة التركية حرة من كل حق عليها؛ لأن الحماية التي أعلنها الإنجليز بلا اتفاق بينهم وبين الأمة المصرية باطلة، ولم تكن في الواقع إلا ضرورة حربية تزول بزوال الحرب، اعتمادا على هذه الظروف، وعلى أن مصر غرمت كل ما قدرت عليه من المغارم في صف القائلين بحق حرية الأمم الصغرى، لا يكون لدى مؤتمر السلام ما يمنع من الاعتراف بحريتنا السياسية جريا على المبادئ التي أسس عليها.
عرضنا رغبتنا في السفر على رئيس وزرائكم صاحب الدولة حسين رشدي باشا، فوعد بمساعدتنا على السفر وثوقا منه بأننا إنما نعبر عن رأي الأمة كافة ... فلما لم يسمح لنا بالسفر وحبسنا داخل حدود بلادنا بقوة الاستبداد لا بقوة القانون، وحيل بيننا وبين الدفاع عن قضية هذه الأمة الأسيفة، ولما لم يستطع دولته أن يحتمل مسئولية البقاء في منصبه، في حين أن الشعب يصادر في مشيئته، استقال هو وزميله صاحب المعالي عدلي يكن باشا استقالة نهائية قوبلت من الشعب بتكريم شخصيهما والاعتراف بصدق وطنيتهما.
Unknown page