Bayn Din Wa Cilm
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Genres
وفي طرد الأساتذة من جامعة بيروت تحت تأثير السلطات البروتستانتية الأميريكية. كل هذا لأن هؤلاء الأساتذة الكبار لم يلغوا عقولهم، وظلوا مستمسكين بما أوحت به تعاليم العلم الحديث. وعامة ذا وقع في بضع السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر.
غير أن آيات الحق لم يكن من المستطاع إخفاؤها، ولم يكن من الهين أن يهزأ بها أو تقتلع أصولها؛ فإن كثيرا من كبار أصحاب العقول كانوا قد قبلوها ومضوا بمبادئها قانعين، إلا أنه لم يكن في أركان الدنيا الأربعة من استطاع أن يتفوه بها على مسمع من المقام البابوي سوى رجل واحد. كان هذا المحارب الجديد، ذلك الخالد الفاني «جيوردانو برونو»
Bruno
وما زالت الأقدار تشيل به من أرض وتهبط به في أخرى حتى أعيى؛ فلم يرجع إلى الذين تعقبوه واضطهدوه إلا وبيده وثائق مهلكة من التنديد والطعن المقذع رماهم بها كآخر سهم في كنانته. لهذا حوصر في مدينة البندقية وقبض عليه وألقي في أعمق سجون محكمة التفتيش في روما ستة أعوام طوال ثم أحرق حيا، وذريت مع الريح بقاياه الترابية. ومع هذا فإن الحق لم يمت بل ظل حيا. ولم تمض عشرة أعوام على استشهاد «برونو» في سبيل العلم، حتى أثبت «غاليليو» بمنظاره ما في نظرية «كوبرنيكوس» كلها من حق ثابت.
على أنه في انتصار «غاليليو» تحقيق لنبوءة أخاذة بالألباب. فقد قيل لكوبرنيكوس قبل أن يموت بأعوام: «إذا كانت نظريتك صحيحة فإن الزهرة لا بد من أن ترينا من أوجهها ما يرينا القمر.» فأجابهم: «إنكم على حق، ولست أدري ماذا أقول، ولكن الله رحيم ولا بد من أن يوحي إليكم يوما بما يمكن به الإجابة على ما تسألون.» على أن الله الرحيم زود المتسائلين بالجواب سنة 1611 عندما أظهر منظار «غاليليو»، على ما كان فيه من نقص، أوجه الزهرة لأعين الناظرين. (3) الحملة ضد غاليليو
حول البطل الجديد غاليليو اجتمعت كل القوات وتناصرت معلنة عليه حربا ضروسا. فإن مستكشفاته قد خرجت بنظرية «كوبرنيكوس» من حيز الفروض والتخمينات إلى حيث وضعت أمام العالم كحقيقة عظمى؛ ولهذا ترى أن الحرب ضده كانت طويلة ممضة. فإن أنصار ما كان يدعى «بالتعليم السلمي» قد أعلنوا أن مستكشفاته لم تكن إلا خداعا، وأن تعاليمه تجديف وكفر بالله. ولقد عاضد الكنيسة أساتذة، جل ما كان فيهم الدعوى والغرور، هاجموا «غاليليو» بآراء آثمة دعوها «مبادئ العلم». أما المبشرون فاستندوا في حملتهم إلى نصوص الكتاب المقدس، كما هاجمه اللاهوتيون ورؤساء محكمة التفتيش ومجامع الكرادلة، وأخيرا بابوان على التعاقب، حتى ظن خطأ أن صوت «غاليليو» قد خفت، وأن تعاليمه قد زالت من عالم المعرفة الإنسانية.
ولسوف أسوق الكلام في هذه المعارك مطنبا؛ لأنني لم أجد - في كل ما بحثت من الكتب التي نشرت في اللغة الإنجليزية - تلخيصا جامعا لمفصلاتها، ولأن تاريخ هذه المعارك لم يشع عليه من نور التاريخ شعاع صادق إلا بعد أن أذيعت حقائق كثيرة، ونشرت وثائق ذات خطر عن محاكمة «غاليليو»، وكانت قد ظلت مطوية بين جدران الفاتيكان، حتى طبعت لأول مرة بعناية «ليبنوا»
L’ Epinoi
سنة 1867، ومن بعد بعناية «جلبر»
Gilber
Unknown page