Bayn Din Wa Cilm
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Genres
ولقد كان لنشر هذه الحقائق آثار جليلة حفزت «إبراهام مليوس»
Abraham Milius
أن ينشر في جينيف سنة 1667 كتابه المعروف «أصل الحيوانات وهجرة الأمم». وهذا الكتاب يظهر بوضوح كاف، كما أظهر من قبل كتاب «أكوستا»، عظم تلك الصدمة الشديدة التي أصابت نظام الأشياء على ما عرفت في العالم اللاهوتي بعد استكشاف أمريكا. ولقد نشر هذا الكتاب بمصادفة خاصة صدرت من أسقف «سالزبرج» أشارت إلى إمكان العثور على حل ينتفي معه كل ما يترتب على هذا الإشكال الكبير، إذا رجعنا إلى نص المتن الأصلي في سفر التكوين؛ إذ فيه: «وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها.»
24
ولقد مضى «ميليوس» في كتابه محاولا أن يظهر أن قدماء الفلاسفة يتفقون مع موسى وأن «الأرض والمياه، وعلى الأخص حرارة الشمس والأرض الأصلية مع ما فيها من صفات اللزوجة والتعفن، تلك الصفات التي يلوح لنا أنها من الصفات الخصيصة بطبيعة الأرض، قد يمكن أن تكون العلة التي نشأت عنها الأسماك والحيوانات الأرضية والطيور.» غير أنه من جهة أخرى يقسو كل القسوة على أولئك الذين يقولون بأن الإنسان يشارك الحيوانات في نشأتها وأنه يعود وإياها إلى أصل واحد. أما الموضوع الذي أنفق فيه مليوس كل جهده فكان «توزع الحيوانات الجغرافي»، ولقد أثرت فيه حقيقة وجود تلك الأنواع الكثيرة التي تأهل بها أمريكا وكثير من الجزائر النائية المنبوذة في جوف المحيطات العظمى، تلك الأنواع التي لم تعرف في القارات الأخرى، كما كان وجود تلك الأنواع في تلك البقاع النائية البعيدة من كرة الأرض وعدم وجودها بالقرب من جبل «أرارات» أكبر المشاكل العلمية التي شغلته وحوطته بمتاعبها. ولقد كان ذلك سببا في أن يعترف هذا «المؤلف بأن تعليل توزع الحيوانات الجغرافي أشكل المشكلات وأشق المعضلات. ولقد ساءل نفسه: إذا كان من الممكن للطيور أن تصل إلى أمريكا طائرة وللأسماك أن تصلها سابحة، فكيف تعلل وصول السوائم التي لا تطير ولا تسبح؟»
وعاد فساءل نفسه في الطيور فقال: «ألا يوجد من بين ذوات الأجنحة تنوعات لا عداد لها لا تطير إلا ببطء عظيم وتثاقل، وهي على ذلك شديدة الخوف من الماء، حتى إنها لا تجرؤ على أن تسلم بنفسها طائرة فوق نهر قليل الاتساع؟» ولما رجع إلى الأسماك قال: «إنها تنفر في العادة نفورا شديدا من مغادرة مياهها الأصلية.» وأظهر بعد ذلك أن كثيرا من أنواع الأسماك التي تعيش في مياه أمريكا ومياه الهند الشرقية لم تعرف من قبل في القارات الأخرى، وأن وجودها في تلك المواطن لا يمكن تعليله بأية نظرية من النظريات التي يعلل بها توزع الحيوانات الطبيعي على وجه الأرض.»
أما إزاء القائلين بأن حيوانات الأرض من الجائز أن تكون قد توزعت في أنحاء الكرة بفعل الإنسان، إما للانتفاع وإما للتسلية بها فإنه يتساءل: «من ذا من الجنس البشري يرغب في أن يحمل معه على ظهر مركب سباعا ودببة ونمورا وغير ذلك من الحيوانات المفترسة المضرة؟ ومن ذا الذي يأمن على نفسه معها؟ من ذلك الذي يود أن يوجد جماعات كثيرة منها في بقاع جديدة اتجهت إرادة الإنسان إلى استعمارها وكانت خلوا منها؟»
أما النتيجة الأخيرة التي وصل إليها فكانت القول بأن النباتات والحيوانات إنما تتأصل في نفس البقاع التي توجد فيها. وهي فكرة أخذ يؤيدها بمقاطيع من تينك الروايتين اللتين وردتا في سفر التكوين، واللتين تشيران إلى صفة «التأصيل» - أي الخلق - التي اختصت بها الأرض والمياه.
غير أن الحالات التي قامت خلال القرن الثامن عشر كانت على وجهة النظر اللاهوتية أشد قسوة وأمر ثمرا، ولقد عمد «دوم كالت»
Dom Calmet
Unknown page