Bayn Din Wa Cilm
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Genres
قد أبدى اهتمامه بالحيوانات التي تقطن الجزيرة، ولكنه قلما غفل عن أن يستخلص من كل منها حالة يستعين بها على استخلاص صورة من صور الأخلاق أو السلوك، فيقول مثلا إن «النسور في إيرلندا تعيش أعمارا مديدة حتى ليخيل إلينا أنهم مساهمون في الأبدية. وكذلك الحال في القديسين؛ فإنهم بتركهم صفاتهم القديمة واتخاذهم الصفات الجديدة التي أهلت بهم إلى القداسة، يحوزون تلك الثمرة السعيدة، ثمرات الحياة الأبدية، ويقول أيضا: «كثيرا ما تبلغ النسور في طيرانها ارتفاعات عظيمة حتى إن الشمس قد تلفحها فتشيطها. وهكذا الحال في الذين يحاولون أن يقفوا على تلك الأسرار الدفينة القصية التي تتضمنها خفايا السماوات لأكثر مما تسمح به الكتب المقدسة؛ فإنهم يذادون عنها ويدفعون إلى الحضيض، كما لو كانت أجنحة خيالاتهم السحرية التي تحملهم إلى تلك الأجواء القصية البعيدة قد لفحت فاحترق ظاهرها وارتدت كليلة متعبة.»
من بين الرجال الذين ظهروا في القرن التالي كان «ألبرت الكبير»، وفيما كتب نقع على روح انتقادية فيها شيء من مظاهر الرشد. فإن «البرت» في كتابه الذي تناول الكلام في الحيوانات قد رفض القول بالاعتقاد السائد في أن بعض الطيور تتولد من الأشجار وأنها تغتذي بالعصارة النباتية، كما أنه لم يؤمن بنظرية أن بعض الطيور قد تتولد في البحار من بقايا الأخشاب المنحلة التي تطفو فوق سطحها.
غير أنه كان لزاما أن تمر عدة أجيال حتى تثمر تلك الشكوك ثمرة طيبة وتحدث أثرا فعالا. فإننا نقع مثلا في الأمثال التي حليت بها كتب «مندفيل»
Mandeeville ، وقد طبعت عشية القيام بحركة الإصلاح الديني
Reformation
على صور، بله المقاطع والعبارات تمثل طيورا ووحوشا تنشأ متولدة من بذور الأشجار.
على أن هذه النزعة العامة التي رمت إلى استخدام العلم الطبيعي في أغراض دينية تدعو إلى التقوى والصلاح، قد عاشت إلى ما بعد عصر الإصلاح البروتستانتي. وكثيرا ما استخدمها «لوثر»، فكان في هذا الأمر مثالا احتذاه أتباعه، ونسج عليه تلاميذه؛ ففي سنة 1612 نشر «وولفانج فرانز»
wolfang franz
أستاذ اللاهوت في جامعة لوثر كتابه الذي ألفه في تاريخ الحيوانات المقدس، وهو كتاب طبع عدة مرات متوالية، وقد تضمن هذا الكتاب تقسيما فائضا للحيوانات، وصفت فيه التنانين الطبيعية التي لها ثلاثة صفوف من الأسنان في كل من الفكين، مضيفا إليها في رهبة وتقوى قوله: «أما التنين الأعظم فهو الشيطان.»
وقبل نهاية هذا القرن، قبض الأب «كيرخر»
Unknown page