قلت: أعني ...
وجذبتها من يدها واحتضنتها بشدة وقبلتها.
فقالت وهي تحاول أن تتملص: لا لا، أرجوك.
ولكني لم آبه لاعتراضاتها وأخذتها بين ذراعي وأنا محموم.
وحاولت لومضة أن أتصورها سانتي، ولكني كدت في هذه الومضة أن أهمد وأدوخ، وعدت أكثر عنفا، وشيئا فشيئا بدأت أعي أن لورا تتكلم، وحين أنصت كانت تقول: أنت تحبني؟ أليس كذلك؟ أنا أحبك جدا جدا جدا. أحبك لدرجة لا تستطيع أن تتصورها، وكنت أكتم عنك ولا أريد البوح. أرجوك، أستحلفك، قل لي، قلها لي، هل تحبني أنت؟ إني مستعدة أن أموت لأعرف إن كنت تحبني، أرجوك أجبني، إنك تفعل كالمحبين فلا بد أنك تحبني، أجبني أرجوك.
وفجأة وجدت نفسي أبكي بكاء حقيقيا، بكاء كان يهزني ويهزها معي وقد أصبحنا كتلة واحدة، بكاء يهز الحجرة كلها، بكاء كنت أحس أنه يتصاعد من كل جسدي وروحي وضياعي وحتى من أطراف أصابعي، أبكي وأبكي، والمسكينة لورا تلحس دموعي بقبلاتها ولسانها وتمسك رأسي في حنان ، وتغوص بأصابعها في شعري وتضمني إليها بشدة وتقول: لا حاجة بك للكلام، يكفيني هذا يا حبيبي، أنا أعبدك، أنا التي كنت أعتقد أنك لا تحبني، يا حبيبي الصغير يا رجلي، أحب رجولتك أحبها، كفى بكاء يا حبيبي كفى، لا بد أني أحلم؛ فأنا أحس أني أسعد فتاة في العالم، لا أستطيع أن أصدق أنك أنت وأنني أنا، ولكنك أنت أنت وأنا أنا، ما أروع هذا يا حبيبي، ما أروع هذا!
15
خيل إلي أن أياما كثيرة قد مضت وليالي، ولكن الساعة لم تكن قد تجاوزت منتصف الليل إلا بدقائق، وكانت لورا أول من غادر حجرة النوم، وجلست أنا في حجرة المكتب أتفرج وحدي على الكرنفال الحادث؛ فمن لحظة أن غادرت لورا الحجرة امتلأت الشقة بضجيج عظيم متباين الأسباب. كانت في حالة نشوة كبرى ترقص وتغني، حتى وهي في الحمام تأخذ دشا كان صوت غنائها يصلني عاليا واضحا وكأنها تستحم معي في حجرة المكتب، وحين خرجت من الحمام خرجت صاخبة وزاعقة في أغرب لباس، جسدها كله يكاد يكون عاريا، وقد لفت فوطة الحمام حول رأسها في عمامة ضخمة، خارجة لا تمشي ولكنها ترقص الفالس وتضحك، وأسألها عما يضحكها فتأخذني من يدي وهي لا تزال مندمجة في الفالس وتجري بي وأتبعها، وفي الحمام تريني صرصارا انسلخ من جلده البني وأصبح عاريا أبيض، وتضحك وتقول إنه لا بد أن يستعد لاستعمال الحمام، وتصفر بفمها كما يفعل الشبان، وتتحدث في وقت واحد عن فائدة الاستحمام بالماء البارد في الشتاء، وأنواع الصراصير وشقيقها الصغير العفريت الذي يتجسس أحيانا عليها.
وتنتقل فجأة إلى الحديث عن الشقة وتقترح تعديلات ضخمة في نظامها، ولا تكتفي بالاقتراح بل في الحال تشرع في التنفيذ فتنقل المكتب من مكانه وتجعلني أعدها بشرفي أن أشتري بوتاجازا؛ لأنها لا تطيق البوابير، ثم تتوقف مرة واحدة عن كلامها وضجيجها وصفيرها وتقول: أتعلم أن ما يلزمك هو حمام، بالضبط الحمام هو ما يلزمك، تعال.
وفعلا أمسكتني بكلتا يديها، وحاولت التملص فجذبتني بقوة شاب وأدخلتني الحمام وشرعت تخلع عني ملابسي بالعافية، وأحاول مقاومتها فلا تفعل المقاومة أكثر من أن تزيدها إصرارا كإصرار الأطفال حين يعثرون آخر الأمر على لعبة سمجة يلعبونها، وكانت لا تزال سادرة في خلع ملابسي تضحك وتقهقه لاحتجاجي ومقاومتي حين صرخت فيها بأعلى صوتي مطالبا منها أن تخرس وتسكت وتدعني.
Unknown page