ولم أجب. عدت مرة أخرى أهوي في بئر الخجل ولا أريد أن أخرج منها.
وانتهى الاجتماع.
وكنت أول الخارجين. وكنت تقريبا مغمض العينين لا أريد أن أرى أحدا أو يراني أحد. كل ما أريده أن أسرع إلى البيت بأقصى ما أستطيع، وهناك أغلق على نفسي باب حجرتي وأطمئن إلى أن أحدا لا يراني أو يراقبني، وأستخرج على مهل كل ما في أعماقي وأتأمله، وأجد حلا للمأساة.
خلال الأسابيع التي مضت كانت سانتي هي كل شيء في الحياة بالنسبة إلي، حتى لم أعد نفسي، أصبحت مجرد شخص يحبها. في الاجتماع أحسست أني أعود قليلا إلى وعيي وأني أدرك أن حبي لها ليس هو كل شيء. في الاجتماع كان شوقي وفتحي سالم وعطوة وكلهم يبدون لي بيضا ناصعي البياض شرفاء، ثوارا حقيقيين ليس لديهم ما يثقل ضمائرهم، وكنت أحس بنفسي وكأني ميكروب له كل قذارة الميكروب ودناسته. ولم أكن أريد لنفسي هذا، ولم أكن أريد لها أن تفقد كبرياءها وتتلوث، ولم أكن أريد أن ألوث سانتي معي.
ومع هذا.
وبينما كنت أنهال على نفسي بصفعات مكتومة.
بينما نفسي كلها في جنازة خجل قائمة، كان جزء صغير من نفسي يكاد يرقص فرحا، جزء أحاول إسكاته فلا يسكت، أحاول سحقه فلا يموت، أبصق عليه فيزداد مرحا وفجورا، ويفعل هذا لأن معنى أنها أهملت في عملها طوال تلك المدة أنها كانت مشغولة بشيء آخر، مشغولة بي. كانت سانتي طوال تلك المدة مشغولة بي، بي أنا. ولم أكن أكذب في كلا الانفعالين، كان أغلب نفسي في جنازة حقيقية أقطر لها مرارة وألما، وذلك الجزء الصغير في مرح حقيقي يكاد يهزني طربا، وكلا الانفعالين لا يستطيع التغلب على الآخر أو محوه، وصراعهما وتنافرهما يمزقني ويدميني.
وماذا كان يمكن أن يحدث لو أغلقت على نفسي سبعة أبواب، وابتعدت عن العالم كله بمن فيه؟ أقصى قرار كان ممكنا أن أصل إليه كان أن أقطع علاقتي بها. سخف ما بعده سخف. من أول يوم عرفتها فيه وأحسست أني منجذب إليها، وأنا في كل ساعة بل في كل دقيقة آخذ قرارا بأن أقطع علاقتي بها، كانت كلها محاولات جادة لقطع علاقتي بها. وربما نحب أحيانا لأننا نريد أن نمنع أنفسنا من أن نحب، ويكون حبنا بها سلسلة متصلة من محاولاتنا لكي نمنع أنفسنا من أن نحب.
القرار ليس جديدا بالمرة، ولكن تنفيذه تنفيذا حقيقيا أصبح واجبا لا بد منه حتى لكي أعيش؛ فلم يعد بإمكاني أن أعيش هكذا.
حسن إذن! كيف يمكن أن أنفذه؟ بأن أنالها فتخف حدة عواطفي ويمكنني حينئذ أن أقطع علاقتي بها؟ هذا أيضا ليس جديدا بالمرة؛ فقد سبق وقررته، وسبق ولم أستطع تنفيذه. وهذا اليوم بالذات حاولت، واليوم أيضا فشلت.
Unknown page