قال أبو سعيد: معي، أنه يخرج في قول أصحابنا في هذا الفصل نحو ما حكي من الاختلاف، ففي بعض قولهم إنه يزكيه لما مضى من السنين قليلا كان أو كثيرا، وقال من قال: إنما /58/يزكي لما مضى لسنة، ثم يستقبل وقت زكاته فيزكيه إذا حال حوله، وقال من قال: ليس عليه فيه زكاة، حتى يحول حوله من بعد إن قبضه، ويخرج معه كأنه فائدة استفادة، ويشبه فيه عندي ما حكي عن الشافعي من أحد معنيين، إما أنه بمنزلة الفائدة، وإما أنه بزكاته فيزكى عما مضى، وأشبه فيه معنى الأحكام على قول من يقول: إن الزكاة شريك أن يكون فيه الزكاة لما مضى، لأنه قد علم أنه فيه زكاته، فمتى وجد المال وجده بزكاته، فهو وإن لم يكن متعبدا بأداء الزكاة للعدم، فإنه متى وجده وقدر عليه كان مالا بزكاته، كما أنه لو كان له مال ولغيره، فمتى وجده وقدر عليه كان لشريكه، وعلى قول من يقول إن كان الضمان على ربها، فيشبه فيه عندي أنه إذا لم يستطع أداء الزكاة زال عنه حكم المخاطبة، لما مضى إذا كان في حال العدم، فإذا وجده كان كأنه مال مستفاد، وقد انتقضت أحواله الذي كان تعمل بها فيه إلا أن يكون له مال غيره فإنه يحمله عليه إذا كان وقت زكاته في قول أصحابنا، ولا يبين لي في الفائدة في قولهم اختلاف، إلا أنها محمولة على المال في وقت الزكاة من أي وجه كانت الفائدة. [بيان، 18/58] مسألة: ذكر ما يملكه المرء من إجارة عسده، وكراه مساكنه، ومن الكتاب قال أبو بكر: واختلفوا في الرجل يؤجره عبده ويكري مسكنه بما يجب عليه الزكاة، وكان مالك بن أنس يقول: لا تجب في شيء من ذلك زكاة، حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه، وبه قال النعمان: إذا لم يكن له مال غير ذلك، وقال يعقوب ومحمد: إذا قبض منها درهما أو أكثر زكاة، وبه قال أبو ثور قال سعيد: معي أنه يخرج في معاني قول أصحابنا إن إجارات الثابتة هي بمنزلة الديون، إلا أنه يختلف عندي في معاني قولهم في ثبوت الكراء، إذا كانت الأجرة سنتين أو سنة أو شيئا معروفا، ففي بعض قولهم: إنه إذا كانت الأجرة صحيحة، كان المال مستحقا من حين وقعت الأجرة، وفي بعض قولهم: حتى تنقضي المدة التي وقع عليها /64/الأجرة من العمل والسكن، ثم حينئذ يستحق المؤجر أجرته، فإذا استحقها بأخذ الوجهين، وكانت مالا حالا عندي، فإن كان على قدرة من أخذها، فالقول فيها كالقول الموجود، وإن كان لا يقدر على أخذها، فالقول فيها كالقول في الدين الميؤوس منه، ولا يبين لي في الأجر فرق غير معاني الديون، إلا أن يكون ثم نسيت، لم أقف عليه، والله أعلم.
مسألة: ومنه، ذكر قبض السيد كتابة مكاتبه. قال أبو بكر: واختلفوا فيما يقبضه السيد من مكاتبه، فكان مالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأصحاب الرأي يقولون: لا زكاة عليه في شيء من ذلك، حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه، وقال سفيان الثوري وإسحاق بن راهويه: إذا قبضه أدى الزكاة لما غاب عنه، وقال الأوزاعي: إذا حلت نجومه فأخرها، وهو موسر زكاه، وإن كان معسرا فلا زكاة عليه.
Page 13