مسألة: قال أبو بكر: ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى يوضع" في حديث علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم للجنازة ثم لا يجلس. قال أبو بكر: وأكثر من يحفظ عنه يقول الحديث، بدأت بذكره، ومن رأى أن لا يجلس ثم يتبع الجنازة حين توضع على أعناق الرجال /113/الحسن بن علي وأبو هريرة وابن الزبير وابن عمر والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وذكر إبراهيم النخعي وعامر الشعبي أنهم كانوا يكرهون أن يجلسوا حتى توضع عن مناكب الرجال، وبه قال ابن الحسن، وقد اختلف أهل العلم في القيام للجنائز إذا مرت، فممن كان يقوم أبو سعيد البدري وأبو سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم بن عبد الله وأحمد بن حنبل، إن قام لم أعبه، وإن قعد فلا بأس به، وبه قال إسحاق بن راهويه، ورأت طائفة أن لا يقوم المرء للجنازة، وفعل ذلك سعيد بن المسيب، وهو قول عروة ومالك والشافعي، وقال: القيام فيها منسوخ.
قال أبو سعيد: عندي أنه لا معنى للقيام للجنائز، إلا لمعنى القيام بها وحملها وتشييعها، أو أحد ذلك. وعندي أنه يكره لمن يقعد عن الفضل من حملها، والناس في ذلك إلا من عذر؛ لأن في ذلك الفضل، وفي تركه التقصير، وإن كان له عذر فلا بأس بذلك، وإن قام لها فحملها لمعنى الفضل ثم قعد عنها لمعنى عذر، أو طلب فضل أفضل منها أن من الحاضرين فيهم كفاية بحملها، كان له في ذلك نيته عندي ووسعه ذلك، وإن قعد عنها أو في الجماعة الحاضرين موضع، إلا من عليها أنهم يقومون بها لعذر، أو لما يرجى أنه أفضل منها كان ذلك فضلا وجائزا، فلا ينبغي لمؤمن أن يرغب بفضل لغير معنى، ويقصر عن القيام به من جنازة، ولا غيرها إلا من عذر، أو اشتغال بمثله، أو أفضل منه.
Page 188