واعلم أن الله - سبحانه وتعالى - قد شرف دين الإسلام على ما سواه من الأديان بما خصه من المزايا الشريفة العظيمة، وأجلها معرفة الله - سبحانه وتعالى - والإقرار بوحدانيته الصمدية، والوقوف على حقيقة الموجودات الدالة على بديع صنعه، والتمتع بالحقوق الإنسانية بدون اعتداء الناس بعضهم على بعض، بما اشتمل عليه من القوانين الإلهية والأصول الشرعية التي مرجعها القرآن الشريف المنزل بالحق على نبيه الكريم
صلى الله عليه وسلم
فلذلك يجب على المسلم تعليم الأحكام الدينية والأصول الفقهية والوقوف على دقائق العلوم الشرعية، لقوله
صلى الله عليه وسلم : «لغدوة في طلب العلم أحب إلي من مائة غزوة.» وقوله
صلى الله عليه وسلم : «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم.» وما جاء بفضل العلم والعلماء قل أن يحصى.
القسم الثالث:
هو ما يشمل الناس كبيرهم وصغيرهم، ويشترك بمنافعه غنيهم وفقيرهم. وهو على ثلاث مراتب: الأولى: هي العلوم الابتدائية التي قل أن يخلو منها إنسان في الأمم المتمدنة، وهي القراءة والكتابة وأصول الحساب والهندسة والنحو والصرف.
فأما الكتابة فإنه مندوب إليها لحديث: «استعن بيمينك.» أي: بأن تكتب. ولا يخفى ما بها من الفوائد العظيمة والمنافع العميمة؛ فإن الله - جل شأنه - تفضل على عباده بأن ألهمهم الكتابة التي بها ضبطت أحكام الدين ودونت أخبار الأولين. وأما الصرف فهو لإصلاح اللسان ومعرفة تراكيب الجمل الخالية من اللحن، وهو أساس لسائر العلوم. وأما الحساب والهندسة فهما غنيان عن التعريف؛ إذ نفعهما بين الناس معلوم، وهذا التعليم الأولي ضروري لجميع الناس على اختلاف أجناسهم؛ إذ به يحسن حال الهيئة الاجتماعية، ويعم نفعه جميع الرعية سيما أرباب الحرف والصناعات، إذا كان لهم إلمام بالكتابة تسهل عليهم الاختراعات والتفنن في صناعتهم بما يطلعون عليه من الكتب الموافقة، كل على حسب مرغوبه. وبالجملة، فإن احتياج كل الناس لهذه العلوم كاحتياج الطعام للملح، ولا غنى لأحد من العموم عنه.
وأما التعليم الثانوي الذي مرتبته أعلى من مرتبة ما قبله، فهو غالبا لا يلتفت للبراعة فيه أكثر الناس لصعوبة مسلكه. فينبغي للحكومة تشويق الناس إليه وترغيبهم فيه مع إجراء الوسائل المسهلة لتحصيله، كإنشاء مدارس مخصوصة منتظمة وجلب معلمين وأساتذة ماهرين؛ فإن هذا التعليم هو السبب الأعظم لتمدين جمهور الأمة وتنوير أبصارها وتقدمها في ميادين المعارف والحضارة. وأنواع هذا التعليم كثيرة، فما ينبغي تعلمه منها واشتغال الأهالي بالأهم فالأهم؛ منه علم الجغرافية الذي يتوصل به الإنسان لمعرفة ما اشتملت عليه الكرة من البحار والجبال والقرى والبلدان والطبائع وعجائب الحيوان، ولا أقل من أن يتوصل به الإنسان لمعرفة جغرافية بلاده ووطنه. والعلوم الرياضية بأنواعها والتاريخ والمنطق وعلم المواليد الثلاث والطبيعة والكيميا والإدارة الملكية وفنون الزراعة والمحاضرات والإنشاء وبعض الألسنة الأجنبية التي يعود نفعها على الوطن.
وهذه العلوم هي التي عليها مدار أكثر المدارس في الأمم المتمدنة ولمصر فيها بعض الإتقان الآن. وأما مرتبة العلوم العالية؛ فهي اشتغال الإنسان بعلم يتبحر فيه بعد تحصيله علوم المبادئ والتجهيزات، كعلم الفقه والطب والفلك والجغرافية من كل علم يجب تعلمه وجوب عين أو كفاية، وهو أن يجول صاحبه في أصوله وفروعه غاية الجولان، حتى يكون كالمجتهد فيه، فيجب ذلك على أفراد في كل قطر يكون لهم استعداد وقابلية لبلوغ أقصى نهاية المعارف التي بها نظام دين ذلك القطر ودنياه، ليقوموا ببث ذلك ويكونوا كالمجددين فيه.
Unknown page