وبالجملة، فإن الشريعة الإسلامية هي التي نظمت العالم بالقوانين الإلهية المبنية على العدل والإنصاف كما تقتضيه الأوامر الصمدانية من نظام هذا العالم، وبيان حسن معايشهم ومنعهم عن الجور والتصدي لحقوق بعضهم؛ لأجل أن ينالوا بذلك معاش الدنيا وثواب الآخرة. وإن عين التمدن هو ما جاءت به الرسل الكرام - عليهم الصلاة والسلام - واتباع ما سنه الشرع وأمر به الرسول، مع اتحاد الأمة على طلب العلوم والمعارف وإحراز التليد منها والطارف.
الباب الثاني
في العلوم والمعارف والحث على التمتع بظلها الوارف
وفيه فصلان
الفصل الأول
في العلوم وأصول التعلم والتعليم وبيان ما في ذلك من النفع العميم
اعلم أن من أقوى أسباب سعادة الأمة وتقدمها تولعها بالعلوم والمعارف الجالبة لخير البلاد وثروة العباد، التي بها يعلو منار التمدن والسعادة وتكسب المملكة رونق المجد والسيادة. وهذان الأمران هما ركنا الأوطان وأساسا غناها وتقدمها، وبهما يتحصل الإنسان على ثمرات المجد والفخار.
ولما كانت العلوم هي التي عليها مدار النجاح وبها يترقى الإنسان إلى درجات المعارف والفلاح، اقتضى أن نبين أولا أصول التعلم والتعليم، معرضين في ذلك عن زيادة التطويل والإسهاب.
فنقول: العلم هو ما يتوصل به الإنسان لمعرفة المجهولات من الأشياء التي لا تتم معرفتها إلا بالبحث والاطلاع، وهو صفة راسخة يدرك بها الكليات والجزئيات. وقيل: العلم وصول النفس إلى معنى الشيء. وقيل: إنه غني عن التعريف، وقيل: زوال الخفاء من المعلوم، والجهل نقيضه.
والتعلم هو جزء من التربية المعنوية؛ لأن التربية نوعان: التربية الحسية وهي تربية الجسم وتنميته، والتربية المعنوية وهي تربية الروح، يعني تهذيب العقل وترويض الذهن والفكر. وقسم هذه التربية العلامة رفاعة بك المصري إلى ثلاثة أقسام:
Unknown page