Battalions and Expeditions around Medina and Mecca
السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة
Publisher
دار ابن الجوزي
Edition Number
الأولى-جمادى الأول-١٤١٧ هـ
Publication Year
١٩٩٦ م
Genres
المقدمة
إنَّ الحمد لله، نحمده ﷾ ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فقد قال تعالى ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ١.
قال ابن خلدون: "إن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال٢، وتتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأُول، تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصَّها الاحتفال، وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول فيها النطاق والمجال، وعَمَروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع
_________
١سورة هود: ١٢٠
٢ االأقيال: جمع قيل وهو الملك أو من ملوك حمير، أو هو دون الملك الأعلى.
"اللسان": (مادة: قول) .
1 / 5
وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق"١.
إن تاريخ كل أمة هو سجل حافل بالأحداث والوقائع لهذه الأمة، تظهر فيه عوامل النجاح، وتبرز فيه أسباب الإنتصارات والهزائم، فهو مستشار الخبرات والتجارب الإيجابية والسلبية، يضيء لها طريق المستقبل، فأمة بلا تاريخ أمة بلا مستقبل.
ألا وإن أعظم وأوثق تاريخ عرفته البشرية حتى اليوم هو تاريخ هذه الأمة الإسلامية التي اصطفاها الله ﷿ وفضَّلها على الأمم قاطبة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ ٢ لذلك فالمستقبل لهذه الأمة بحول الله وقوته.
ويمكننا أن نلخص عظمة تاريخ هذه الأمة في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: كون كتابها ودستورها القرآن العظيم، كلام الخالق ﷿ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قد حوى قصص وتواريخ الأمم السابقة من لدن أبي البشر آدم ﵇ حتى العهد الذي أُنزل فيه: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ ٣.
ثم هو مصدر أساسي من مصادر تاريخ ذلك العهد، عهد النبوة حتى انقطاع الوحي بموت النبي ﷺ.
الأمر الثاني: أنه يحكي تاريخ فترات من الزمن هي أفضل فترات هذه الأمة: "خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم" ٤.
_________
١ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، "مقدمة تاريخ ابن خلدون" (٦) .
٢ سورة آل عمران: ١١٠.
٣ سورة هود: ١٠٠.
٤ انظر: الألباني: "صحيح الجامع" (٢/٦٢٤) وقال: صحيح.
1 / 6
الأمر الثالث: اختُص هذا التاريخ بميزة فريدة لم توجد في غيره من تواريخ الأمم الأخرى، ألا وهي خاصية الإسناد المعتمد أساسًا على علم الرجال؛ لأن معظم المؤرخين المسلمين هم في الحقيقة محدِّثون مثل ابن إسحق، وخليفة بن خياط، والطبري، وغيرهم؛ لذلك اهتموا بالإسناد كثيرًا في مروياتهم.
ولكي نعرف مدى أهمية الإسناد وتفرُّد المسلمين بعلم الرجال دون غيرهم من الأمم السابقة، نستمع إلى هذين القولين من رجلين مختلفين، أحدهما عالم مسلم، والآخر مستشرق ألماني.
فقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى قوله: "الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما يشاء"١.
ويقول المستشرق الألماني سبرنجر: "لم تكن فيما مضى أمة من الأمم السالفة، كما أنه لا توجد الآن أمة من الأمم المعاصرة أتت في علم أسماء الرجال بمثل ما جاء به المسلمون في هذا العلم العظيم الخطر الذي يتناول أحوال خمسمائة ألف رجل وشئونهم"٢.
"فمن أراد أن يتسلل خلال بعض الثقوب ليطعن هذا التاريخ فليطعن قبل هذا جميع أخبار الدنيا منذ نشأتها إلى يومنا هذا، وليطعن كل تراث الإنسانية بما في ذلك الكتب المقدسة السابقة على القرآن الكريم، فإن هذا التاريخ الإسلامي الذي بين أيدينا هو أوثق من كل هذا. ومع ما ذكرنا، إنما هو في جملته محكم مترابط كثير وجوه الإسناد، ولا يعيبه ضعف بعض أسانيده، وضعف الراوي لا يعني أنه كذَّاب، بل إن الراوي الذي عرف عنه الكذب قد يصدق أحيانًا. ومن القواعد المعمول بها أن الرواية الضعيفة ترتفع إلى مرتبة الحسن، وأن الحسن يرتفع إلى الصحيح إذا ساندته روايات أخرى ولو كانت ضعيفة في حالتها
_________
١ مقدمة الإمام مسلم في صحيحه (١/٤٠) .
٢ أحمد عادل كمال، الطريق إلى دمشق (٦١) .
1 / 7
المنفردة، وهو ما يعرف بـ (الصحيح لغيره) تمييزًا له عن (الصحيح لذاته) .
ومن أراد أن يطعن هذا التاريخ التليد، وهذا الجهد المشكور في التسجيل فليطعن قبل ذلك أولئك الذين كان عليهم أن يسجلوا كما سجل أسلافنا فلم يفعلوا، ونعني بهم الفرس والروم، فمع هذا البحر الزاخر من المرويات العربية لا نكاد نجد شيئًا يرويه الطرف الآخر، بل أبعد من ذلك كان الرواة المسلمون هم الذين حفظوا لنا أخبار الأكاسرة الفرس قبل الإسلام"١.
إننا بهذا الكلام لا ندَّعي الكمال لتاريخنا، فالكمال الإعجازي صفة لا يمكن سحبها على غير القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه من بين الكتب المقدسة: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ٢.
بل إن الحديث النبوي وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد القرآن كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي لم يسلم من عبث العابثين، وكذب المفترين، ولكن الله ﷿ قد هيأ له الجهابذة من علماء الإسلام الذين تصدَّوا لهؤلاء فوضعوا القواعد والأساليب التي ساعدت على كشفهم، كان أهمها التاريخ، قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ"٣.
وقال حماد بن زيد رحمه الله تعالى: "لم يُستعن على الكذابين بمثل التاريخ"٤.
والتاريخ باعتماده على الروايات والرواة مثله مثل الحديث لم يسلم هو الآخر من عبث المتطفلين، يقول ابن خلدون: "إن فحول المؤرخين في الإسلام
_________
١ المصدر السابق.
٢ سورة الحجر: ٩.
٣ انظر ابن الصلاح، المقدمة - الفصل (٦٠) .
٤ انظر الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (٧/٣٥٧) .
1 / 8
قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطَّروها في صفحات الدفاتر، وأودعوها، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها، وزخارف من الروايات المضعفة لفَّقوها ووضعوها. واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها، وأدَّوها إلينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها، ولا رفضوا ترَّهات الأحاديث ولا دفعوها، فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل، والغلط والوهم نسيب الأخبار وخليل"١.
"وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذا تولاَّه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع، وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع، ويجردها عما لم يقع مكتفيًا بأصول الأخبار الصحيحة مجردة عن الزيادات الطارئة عليها"٢. "لأن الأخبار إذا اعتُمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكَّم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق. وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين، وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًّا أو سمينًا، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلُّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط"٣.
ولا شك أن عدم تمحيص المؤرخين للأخبار كما فعلوا في الحديث واكتفاءهم بإلقاء العهدة على الرواة المذكورين في أسانيد الروايات ألقى عبئًا
_________
١ ابن خلدون، المقدمة (٦) .
٢ محب الدين الخطيب في تعليقه على كتاب "العواصم من القواصم" لابن العربي (ص١٧٩) حاشية (٣٠٩) .
٣ ابن خلدون، المقدمة (١٣) .
1 / 9
كبيرا على المؤرخ المعاصر المسلم؛ لأنه يحتاج إلى بذل جهد ضخم للوصول إلى الروايات الصحيحة بعد فهم وتطبيق منهج المحدثين، وهو أمر لم يعد سهلا ميسورا، كما كان بالنسبة لخليفة بن خياط، أو الطبري، بسبب تضلعهم في مناهج المحدثين وطريق سبرهم للروايات وتمييزها"١.
إن عملية نقد الروايات التاريخية وفق منهج المحدثين عملية ليست سهلة "فإن النظر في الرجال، ودراسة الرواة عملية صعبة شاقة ومجهدة ذهنيًّا وبدنيًّا لما تقتضيه من وقت طويل، ومكلفة ماديًّا وماليًّا، فمراجعها من الكتب قليلة الاستعمال، كبيرة الحجم، غالية الثمن، نادرة الوجود"٢.
ولكن لابد للمؤرخ المسلم من اقتحام العقبة وتحدي الصعاب إذا أراد لعمله النجاح، ونوى فيه الإخلاص لله ﷿ فإن هذا العمل من أجلّ الأعمال وأفضلها، فحينما يتم تمحيص وسبر الروايات التاريخية وتنقيتها مما علق بها من الشوائب، فإنا نكون قد قمنا بعمل عظيم خدمة لتاريخ أمتنا الإسلامية المجيد، وأنرنا بذلك المستقبل للأجيال القادمة.
"إن للمحدثين مناهج وطرقا في نقد الأحاديث ومعرفة الصحيح من الضعيف، والمطلوبُ تطبيق هذه المناهج في نقد الروايات التاريخية المتعلقة بتاريخ صدر الإسلام؛ لأن هذه الروايات التاريخية تشبه الأحاديث من حيث وجود الأسانيد التي تتقدم المتون مما يمكن الناقد من معرفة الرواة المتعاقبين الذين نقلوا الخبر أو الرواية خلفا عن سلف. وتُستمد المعلومات عن الرواة من كتب علم الرجال التي تختص ببيان أحوال الرواة.
فمثلا شرط الصحيح من الحديث هو أن يرويه العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، فشرط الرواية التاريخية الصحيحة
_________
١ الدكتور أكرم العمري، المجتمع المدني، خصائصه وتنظيماته (٢٥) .
٢ أحمد عادل كمال، الطريق إلى دمشق (٥٣) .
1 / 10
أن كل رواتها المتعاقبين إلى شاهد العيان متدينون تدينًا صحيحًا، وعندهم ملكة الحفظ والتي تمنع وقوعهم في الأوهام والتخليط، وتؤدي إلى ضبطهم للرواية سواء في صدورهم أو كتبهم، يضاف إلى ذلك أن تكون الرواية متفقة مع الروايات الأخرى التي يرويها رواة يتمتعون بتوثيق أكثر، أما إذا خالفتها فهي شاذة مرجوحة، وكذلك أن لا يكون في الرواية التاريخية علة خفية قادحة بصحتها، كالتدليس الخفي، أو الإرسال الخفي، أو الاضطراب في معلومات المتن. وإذا كانت الروايات التاريخية لا ترقى إلى درجة الصحة الحديثية وفق الشروط المتقدمة، فإنه ينظر إلى تعدد طرقها بجمع ما يتعلق بالمسألة التاريخية الواحدة، فإنها تقوى خاصة عند استحالة اجتماع الذين رووها واتفاقهم على الكذب"١.
ثم ينظر بعد ذلك في الروايات بعد سبرها ونقدها فيتم "اعتماد الروايات الصحيحة وتقديمها، ثم الحسنة، ثم ما يعتضد من الضعيف لبناء الصورة التاريخية لأحداث المجتمع الإسلامي في عصر صدر الإسلام. وعند التعارض يقدم الأقوى دائما. أما الروايات الضعيفة التي لا تقوى أو تعضد فيمكن الإفادة منها في إكمال الفراغ الذي لا تسده الروايات الصحيحة والحسنة على ألاّ تتعلق بجانب عقدي أو شرعي. أما الروايات التاريخية المتعلقة بالعمران كتخطيط المدن وريازة الأبنية وشق الترع، أو المتعلقة بوصف ميادين القتال وأخبار المجاهدين الدالة على شجاعتهم وتضحيتهم فلا بأس من التساهل فيها"٢.
"فإن هذا العلم - علم الرواية والإسناد - قد وضع أساسا ليقاس بمقتضاه ما روي من حديث نسبه رواته إلى رسول الله ﷺ من قول أو فعل ليجيز ما يثبت نقله عنه. فالأمر يتعلق بإرساء قواعد الدين، وتأصيل أصول الإسلام:
_________
١ أكرم العمري، المجتمع المدني، خصائصه وتنظيماته (٢٤-٢٥) .
٢ المصدر السابق، (٢٥-٢٦) (بتصرف) .
1 / 11
عباداته ومعاملاته، وشريعته ومعتقداته. إن هذا وأمثاله من النهج المتشدد إن كان له ما يبرره عند إرساء قواعد الدين فلعله أن يكون تعنتا أن نطبقه بحذافيره على المرويات التاريخية"١.
لذلك فإن "اشتراط الصحة الحديثية في كل رواية تاريخية نريد قبولها فيه تعسف؛ لأن ما تنطبق عليه هذه الشروط لا يكفي لتغطية العصور المختلفة للتاريخ الإسلامي، مما يولد فجوات ضخمة في تاريخنا. وإذا قارنا ذلك بتواريخ العالم فإنها كثيرا ما تعتمد على روايات مفردة أو مؤرخين مجهولين، بالإضافة إلى ذلك فهي مليئة بالفجوات، لذلك يكفي في الفترات اللاحقة التوثيق من عدالة المؤرخ وضبطه لقبول ما يسجله مع استخدام قواعد النقد الحديثي في الترجيح عند التعارض بين المؤرخين. إن اشتراط الأمانة والثقة والدين في المؤرخ ضروري لقبول شهادته على الرجال والأمم وتقويم دورهم التاريخي"٢.
كما "ينبغي ملاحظة منهج المحدثين عند التعامل مع الرواية التاريخية، فهم يتساهلون في رواية الأخبار التاريخية، كما نلاحظ عند ثقات المؤرخين مثل محمد بن إسحاق، وخليفة بن خياط، والطبري، حيث يكثرون من الأخبار المرسلة والمنقطعة"٣. تلك الأخبار هي في الغالب روايات موقوفة على بعض التابعين مثل عروة بن الزبير، وأبان بن عثمان، وبعض صغار التابعين مثل الزهري، وعاصم بن عمرو، ومالك بن دينار وغيرهم، هذه الروايات من وجهة النظر الحديثية ضعيفة لا يحتج بها، ولكن من الجدير ذكره أن هؤلاء التابعين كانوا من الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية، وتدوينها التدوين الأول، وكان تدوينهم لها إما عن طريق كتب أو وثائق وصلت إليهم عن طريق الصحابة أو تابعين عاصروا الصحابة وأخذوا ذلك عنهم، أو عن طريق روايات شيوخهم
_________
١ أحمد عادل كمال، الطريق إلى دمشق (٥٧) .
٢ الدكتور أكرم العمري، المجتمع المدني (٣٠) .
٣ المصدر السابق (٢٥) .
1 / 12
من الصحابة.
ونظرًا لأن الاتجاه السائد في ذلك الوقت والاهتمام كان منصبّا على الأحاديث النبوية، لذلك تساهلوا المرويات التاريخية، ولم يولوها جلّ اهتمامهم وعنايتهم كما فعلوا اتجاه الأحاديث النبوية، فكانوا يرسلون غالبية الروايات التاريخية عند روايتها، وربما كان لتأليفهم كتبا في السيرة النبوية فيما بعد دورًا في ذلك حيث كانوا يملون على تلاميذهم ويحدثونهم منها دون ذكر السند.
لذلك أعتقد أنه يمكن التساهل في الروايات التي ترد عن طريقهم ولا سيما وأنهم موثّقون عند أهل الحديث.
"إن مراحل التاريخ الإسلامي كلها بحاجة إلى إعادة تقويمها من وجهة النظر الإسلامية، وقد تبين مدى تغير الصورة التاريخية لفترة من تاريخنا عندما يتناولها بالبحث كتاب مسلمون منصفون، كما حدث في إعادة تقويم الدولة العثمانية وفتح ملفها من جديد. ويبدو لي أن التغير الذي سيحدث في تصورنا للتاريخ الأموي والعباسي وما بعدهما من حلقات حتى تاريخنا المعاصر سيكون كبيرا جدّا، وسيكشف عن مدى الزيف والتحريف الذي أصاب تاريخنا.
إنه لا بدَّ من محاولة جادة لإعادة صياغة التاريخ الإسلامي بأقلام إسلامية تؤمن بالله وبرسوله وتحس بدور الإسلام وأثره في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا"١.
"والصحوة الإسلامية عليها واجب ضخم تجاه المناهج التعليمية، ومناهج التاريخ بصفة خاصة تعيد صياغتها صياغة إسلامية، باعتبارها هذا جزءا لا ينفصل عن مهمة التربية اللازمة لإعداد الجيل المسلم. والمؤرخون المسلمون مدعوون للقيام بنصيبهم من هذا الجهد الشاق وقد لا يعترف بجهدهم أحد في الوقت
_________
١ الدكتور العمري، المجتمع المدني (٣٠) .
1 / 13
الحاضر بل قد يرميهم المثقفون بالأحجار، ولكنهم بجهدهم يبنون الطريق للمستقبل، والمستقبل للإسلام"١.
﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ٢.
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهيدًا﴾ ٣.
إن الكتابة في مجال التاريخ أمر مشوق ومحبب للنفس خاصة تاريخ الإسلام الذي يحكي أمجاد المسلمين الأوائل، وما حققوه من انتصارات أبهرت العالم قديما وحديثا.. ألا وإن قمة ذلك التاريخ وأعظم تلك الانتصارات هو ما كان في مغازي النبي ﷺ وبعوثه وسراياه التي كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يتواصون بتعلُّمها وتدارسها ودراستها. فهذا الزهري يقول: "في علم المغازي علم الآخرة والدنيا"٤.
وقد بلغ من حرصهم على تعليم أولادهم مغازي رسول الله ﷺ وسراياه أنهم جعلوها قرينة القرآن الكريم من حيث أولوية التعليم. يقول زين العابدين علي بن الحسين بن علي: "كنا نُعلَّم مغازي النبي ﷺ وسراياه كما نعلم السورة من القرآن"٥، وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: "كان أبي يعلمنا المغازي، ويعدّها علينا، وسراياه، ويقول: يا بني، هذه مآثر آبائكم، فلا تضيعوا ذكرها"٦.
إن علم "التاريخ العسكري من أجدر فروع التاريخ بالدراسة والتعمق،
_________
١ محمد قطب، حول التفسير الإسلامي للتاريخ (٢٧٦-٢٧٧) .
٢ سورة الروم: (٦) .
٣ سورة الفتح: (٢٨) .
٤ انظر الخطيب، أحمد بن علي البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (٢/١٩٥) .
٥ المصدر السابق.
٦ انظر الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (٢/١٩٥) .
1 / 14
والتحليل والعبرة، فكما أن جميع العلوم تسخر الآن لتكون معطياتها وسائل قتال بيد الجيوش، فالتاريخ العسكري أحد أبرز العلوم التي تعلم كيفية استخدام تلك الوسائل المادية والمعنوية.
يقول بونابرت: من الممكن تعلّم التكتيك والتطورات وعمل المهندسين والمدفعية من الأنظمة والمذكرات، كما نتعلم الهندسة تقريبا، إلا أن معرفة الأجزاء العليا من الحرب لا تكتسب إلاّ بالتجربة، وبدراسة تاريخ الحروب ومعارك كبار القادة"١.
لقد نشأ معي حب التاريخ عامة، والسيرة النبوية خاصة منذ الصغر، فلما طلب مني القسم اختيار موضوع بحث الماجستير، قررت أن أختار موضوعا في السيرة النبوية. ولكن بسبب كثرة من كتب في السيرة قديما وحديثا حتى ملئت في ذلك المجلدات المختلفة الأحجام، لذلك وجدت صعوبة بالغة في اختيار الموضوع المناسب، ومكثت أشهرا وأنا أفكّر وأقلّب الصفحات دون جدوى..
وبعد الاستعانة بالله ﷿ ثم بنصيحة شيخي الفاضل الأستاذ الدكتور/أكرم ضياء العمري حفظه الله الذي وجهني للكتابة النقدية لمرويات السيرة النبوية. وهنا تركزت اتجاهاتي نحو منهج معين بعد شتات، وقصرت المسافة نحو الموضوع المختار بعد طول عناء. ولكن بقيت مشكلة أخيرة وهي: أن زملاءنا الأفاضل في قسم السنة لم يتركوا لنا مجالا واسعا في هذا الاتجاه، حيث إنهم بمجهوداتهم الخيِّرة وبتوجيهات كريمة من أستاذنا الكريم فضيلة الدكتور أكرم العمري، قد غطّوا معظم مرويات السيرة النبوية وخاصّة الغزوات.. وبقيت في حيرة..
_________
١ انظر أحمد عادل كمال، الطريق إلى المدائن (٦) .
1 / 15
ما هو الموضوع المناسب ولم يطرقه الزملاء، وأخذت أبحث في فهارس كتب السير والمغازي القديمة والحديثة، لعلّي أهتدي إلى الموضوع المناسب.
وهكذا بدأت أعرض على فضيلة رئيس القسم بعض المواضيع حتى وقع اختياري على موضوع السرايا والبعوث النبوية، حيث وجدت من خلال قراءتي واطلاعي على مَن كتب فيها قديما وحديثا أنه لم يفرد لها كتاب مستقل إلاّ ما كان من المدائني الذي ألَّف كتابا فيها أسماه "كتاب سرايا النبي ﷺ "، وكتابا آخر باسم "كتاب السرايا" ذكرهما ابن النديم١. ومعلوم أن معظم كتب المدائني فقدت.
وجمع أبو تراب الظاهري من الباحثين المعاصرين المرويات الخاصة بالسرايا والبعوث في كتاب أسماه "سرايا النبي ﷺ"، وذكرها مؤلفو المغازي ضمنا مع مغازي النبي ﷺ مثل: الواقدي، وأحمد بن الحارث الخزَّاز، صاحب كتاب "مغازي النبي ﷺ وسراياه وأزواجه"، ذكر ذلك ابن النديم٢.
ومن مؤلفي المغازي المتأخرين الشيخ أحمد بن عبد اللطيف نور صاحب كتاب "غزوات الرسول وسرياته"، وعبد المنعم الهاشمي صاحب كتاب "سرايا الرسول".
وأفرد لها ابن سعد مجلدا خاصًّا من كتابه "الطبقات" بعنوان: ذكر مغازي رسول الله ﷺ وسراياه.
وكذلك فعل كلٌّ من البيهقي الذي أفرد لها مجلدين من "الدلائل" بعنوان: جماع أبواب مغازي رسول الله ﷺ بنفسه وسراياه.
والشامي مجلدّا أسماه "جماع أبواب سراياه وبعوثه ﷺ ".
والحلبي الذي أفرد لها بابا من كتاب "السيرة" عنون له: باب سراياه ﷺ
_________
١ ابن النديم، محمد بن أبي يعقوب الورّاق، الفهرست (٣/١١٤) .
٢ المصدر السابق (٣/١١٧) .
1 / 16
وبعوثه.
وأفرد لها ابن القيم فصلا في كتابه "زاد المعاد" باسم: سياق مغازيه وبعوثه على وجه الاختصار.
وساقها الذهبي مع المغازي في المجلد الخاص بالمغازي من كتابه الموسوعي "تاريخ الإسلام".
أما ابن هشام فلم يفرد لها أجزاء خاصة من كتاب "السيرة" وإنما ذكرها ضمنا في الجزء الثاني حتى الجزء الرابع، وكذلك فعل بقية من كتب في السيرة النبوية.
أما من ناحية نقد المرويات التي جاءت عن السرايا والبعوث وفق منهج المحدثين فأعتقد أنه لم يتطرق أحد لهذه الناحية ما عدا ما ورد من الروايات عنها في كتب الصحيحين، وما ورد في كتاب الحافظ نور الدين الهيثمي "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"، وما ورد في كتب السنن والمسانيد التي حظيت بتخريج أحاديثها من بعض المحققين والعلماء، مثل سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه التي خرّج أحاديثها العلامة الألباني، ومسند الإمام أحمد الذي خرّج أحاديثه كل من البنا، وأحمد الشاكر، وغيرها من كتب الحديث.
ولكن الروايات التي وردت في هذه المصادر عن السرايا والبعوث قليلة جدّا لا تكاد تغطي إلاّ جزءا يسيرا منها، أما الجزء الأكبر فكان في بطون كتب السير والمغازي بلا نقد ولا تخريج غير قليل من المحاولات التي قام بها بعض كتّاب المغازي المتأخرين أمثال: ابن كثير، والذهبي، وابن حجر في تعليقاته على بعض الروايات التاريخية في "الفتح" و"الإصابة" وأيضا كان أكثر ما قام به هؤلاء هو عملية التخريج، أما النقد فكان قليلا،لأن معظم الروايات التي جاءت في كتب السير والمغازي كانت بلا سند، وذلك ما مثَّل صعوبة
1 / 17
بالغة بالنسبة لي عند محاولة نقد هذه الروايات.
لقد كان عملي في نقد هذه الروايات يمثل محاولة طموحة لما هو أفضل في المستقبل إن شاء الله تعالى ولا أستطيع أن أعترف برضائي التام عنها، ولكنها تجربة مفيدة لي على طريق هذا العلم النافع العظيم الذي أفتخر أن أكون أحد طالبيه المتواضعين.
إن كل عمل مخلص لا يخلو من مشاقَّ وصعوبات، تصبح فيما بعد ذكريات جميلة بعد أن تكسب الإنسان خبرة جيدة تفيده في المستقبل. ولقد واجهتني بحمد الله بعض الصعاب والمشاق خلال عملي في هذا البحث، كان أولها عملية اختيار الموضوع، كما أوضحت سابقا، ويا حبذا لو يتم اختيار المواضيع لطلبة الماجستير خاصة بمشاركة الأساتذة في القسم مراعين في توجيهاتهم للطلبة اتجاهاتهم وميولهم التي يمكن أن تتضح خلال السنة التحضيرية، ومن خلال البحوث التي يكلفون بها، وذلك للوصول إلى الموضوعات المهمّة التي لا زالت بحاجة إلى إعادة كتابة أو مزيد بحث.
ومن الصعوبات التي واجهتني ندرة المصادر والمراجع التاريخية التي تسلك عملية النقد وفق مناهج المحدثين، كما أن خلو بعض الروايات التي وردت في كتب المغازي والسير من الأسانيد، مثّل صعوبة بالغة بالنسبة لعملية النقد الإسنادي، لذلك لجأت إلى عملية نقد متون تلك الروايات (النقد الباطني) على ضوء منهج النقد التاريخي قدر الاستطاعة، وإن كانت بضاعتي في هذا المجال قليلة جدّا، نظرا لعدم توفر الخبرة اللازمة لي في مجال البحث والتحليل التي تحتاج إلى دراسة متخصصة متأنية، ولمدة كافية من الزمن، وهو الأمر الذي لم يتح لي خلال دراستي الجامعية ولا خلال السنة التحضيرية.
لذلك أرجو من الله تعالى، ثم من المسئولين في القسم دراسة هذا الأمر
1 / 18
وتخصيص قسم خاص، أو إضافة مواد تختص بعملية النقد الباطني (النقد التاريخي) والنقد الخارجي (نقد الأسانيد وفق منهج المحدثين)؛ لأننا بحاجة ماسّة وشديدة للمختصين في هذا المجال الهام والنافع إن شاء الله تعالى لكي نركّز جهودنا في عملية تحرير تاريخنا الإسلامي مما شابه واعتراه من الشوائب والتّرهات التي استغلها أعداؤنا الحاقدون، ولعبوا بها كأورق رابحة يلوحون بها في وجوهنا كلما شاءوا.
ومن المصاعب التي واجهتها عدم وجود تراجم لبعض الرواة (جهالة عين)، أو خلو تراجمهم من الجرح والتعديل الموضح لحال الرواة (جهالة حال)، "وربما كان ذلك راجعا إلى أن رواياتهم قد اقتصرت على الأخبار دون الحديث، فكانوا يقولون عن أحدهم "إخباري"، ولعلّ في التعبير حطّ من شأنه عن مرتبة المحدّث، وقد نشأ علم الرجال أصلا لخدمة علم الحديث"١.
لذلك لم يهتم بهم مصنفو كتب الرجال فلم يوردوا تراجمهم، أو أوردوها موجزة خالية من الجرح والتعديل، فأصبح الجهل فيهم وفي أحوالهم كثير، يقول السبكي: "والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل"٢.
إن وجود الكثير من التناقضات والاضطرابات حول الواقعة الواحدة نتيجة تعدّد النصوص والروايات حولها جعلني أقف محتارا بينها، أيها أرجح؟ أو كيف أجمع بينها؟ وهل يمكن الجمع أم لا؟ وقد كنت أتوقف عند بعض النصوص حوالي الشهر أو الشهرين متأنيًّا لعلِّي أستنبط منه تفسيرا واقعيّا مناسبا أو حكما ما، وكنت أستعين في كثير من الأحيان بآراء النقاد والبارزين في هذا المجال ممَّن سبقني من جهابذة النقاد المسلمين أمثال: ابن القيّم، وابن حجر، والزرقاني، والشامي، وابن كثير، وغيرهم ممَّا أكسبني بعض الخبرة البسيطة في مجال النقد والتحليل.
_________
١ أحمد عادل كمال، الطريق إلى دمشق (٥٨) .
٢ السبكي، عبد الوهاب بن علي، قاعدة الجرح والتعديل، وقاعدة في المؤرخين (٥٩) .
1 / 19
كان مسمى هذا البحث (السرايا والبعوث النبوية - دراسة نقدية تحليلية)، ولكن بعد أن بدأت العمل بجمع المادة العلمية حول السرايا والبعوث كاملة، فتكوَّنت لديَّ مادة علمية ضخمة عن السرايا والبعوث، بحيث ملأت حوالي تسعة ملفات من الأوراق، وهذه الروايات الضخمة لا يمكن استيعاب نقدها وتحليلها خلال مدة هذا البحث، ويكفي أن أشير إلى أن بعض السرايا مثل سرية (عبد الله بن جحش إلى نخلة)، أو (البعث إلى كعب بن الأشرف)، أو (بعث الرجيع) وغيرها من السرايا ذات الروايات المتعددة والكثيرة التي يمكن أن تكون كل واحدة منها بحثا مطولا.
لذلك رأيت بعد مشورة الأستاذ المشرف أن يتم اختصار البحث جغرافيّا بحيث تتم دراسة مرويات السرايا والبعوث حول المدينة ومكة، وهي أهم وأكبر مناطق مسرح عمليات السرايا والبعوث النبوية، حيث يصبح مسمى البحث بعد التعديل (السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة - دراسة نقدية تحليلية) .
وقد بدأت عملي بوضع خطة البحث حيث رتبتها وفق تقسيم موضوعي، صنّفت فيه السرايا والبعوث إلى سرايا اعتراضية، وسرايا المغاوير، وسرايا تحطيم الأوثان، وسرايا تعقبية، وتأديبية، وتحويلية، وبعوث تعليمية، وأخرى دعوية.
هذا وقد اشتملت خطة البحث على: مقدمة، وتمهيد، وبابين كبيرين، يحتوي كل باب على فصلين، يندرج تحت كل فصل عدة عناوين رئيسية، وخاتمة.
أما المقدمة: فقد اشتملت على سبب اختياري لموضوع رسالتي في السيرة النبوية، وفي موضوع السرايا والبعوث النبوية بالذات، ثم المصاعب والمشاق التي تعرضت لها خلال عملي في البحث. كما اشتملت المقدمة على خطة البحث، ومنهجي في العمل، كما حلَّلت بعض المصادر والمراجع التي استقيت منها في هذا البحث. ثمّ شكر وتقدير.
1 / 20
وكان التمهيد: عبارة عن عرض موجز للسرايا والبعوث النبوية، وخلافات أهل المغازي حولها.
وخصصت الباب الأول: للسرايا والبعوث النبوية داخل وخارج المدينة، ويحتوي على فصلين:
الفصل الأول: السرايا الاعتراضية - ذكرت فيه السرايا الأولى التي انطلقت لتعلن الحرب على قريش، والتي كانت عبارة عن دوريات قتالية لاعتراض القوافل التجارية القرشية.
وفي الفصل الثاني: البعوث ذات المهمات الصعبة أو سرايا المغاوير تحدثت فيه عن بعض فرق المغاوير - التي تكونت من بعض الصحابة المتطوعين لتنفيذ بعض المهمات الصعبة التي كلّفهم بها النبي ﷺ، وتمثّلت في تصفية الأفراد من أعداء الدولة الإسلامية.
ويقع الباب الثاني: (السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة) في فصلين:
الفصل الأول: جعلته للسرايا ذات المهمات الخاصة، ويشتمل على بعوث مختلفة، منها سرايا تعقّبية، وسرايا تعليمية، وسرية تأديبية، وأخرى تحويلية.
وكان بودي أن أخصص لكل من هذه السرايا فصلا مستقلاّ، ولكن بما أن السريتين الأخيرتين مختلفتان ولا تحتمل كل منهما إفرادها بفصل مستقل، لذلك دمجت الجميع في فصل واحد، ولكنني أفردت كلًاّ منها بمقدمة خاصة بها.
وخصصت الفصل الأخير: (لسرايا تحطيم الأوثان): تلك السرايا التي انطلقت بأمر المصطفى ﷺ لتحطّم رموز الوثنية في الجزيرة العربية، فتحدَّثت عن بعثي خالد بن الوليد ﵁ إلى كل من اللات والعزّى. وبعث
1 / 21
سعد بن زيد الأشهلي ﵁ إلى مناة الثالثة الأخرى، ثم بعث عمرو بن العاص ﵁ إلى سواع صنم هذيل.
وهذه البعوث التدميرية للأصنام التي تقع ضمن نطاق البحث الجغرافي، وإلاّ هناك بعوث وسرايا أخرى أرسلت لتدمير كل رموز الشرك في أرض الجزيرة العربية.
وقد ضمنت الخاتمة: بأهم النتائج والدراسات التي توصلت إليها في هذا البحث.
هذا هو عرض موجز لكل محتويات هذا البحث، وربما يكون قد فاتني بعض السرايا والبعوث النبوية الواقعة ضمن نطاقه الجغرافي، ولكنني اجتهدت بقدر الاستطاعة في حصرها، ولا يخلو الإنسان من العجز والتقصير؛ فإن الكمال لله وحده، ولا يلام المرء مع اجتهاده.
1 / 22
منهج البحث:
إن المنهج الذي اتبعته في عملية النقد يستند أساسا على محورين أساسيين:
المحور الأول: هو محاولة نقد الأسانيد على ضوء منهج المحدثين، بينما كان
المحور الثاني: هو التحليل منصبّا على المتون حيث تمت مناقشتها ما أمكن وفق المنهج التاريخي.
وفي البداية قمت بإعداد جداول للروايات في المصادر المختلفة لأجل تنسيق وتنظيم عملية النقد والتحليل للروايات المتضاربة، فعملت جدولا للروايات المتشابهة، وآخر للروايات المختلفة، وجدولا للروايات التي فيها معلومات إضافية.
بعد ذلك تم مناقشة وتحليل ومقارنة لهذه الروايات. فالمتشابهة في المضمون والمختلفة الطرق، اعتبرت ذلك دليلا على توثيقها، أما المختلفة فحاولت الجمع بينها أو ترجيح أحدها بعد تحليلها، أما الزوائد والمعلومات الإضافية في بعض الروايات، هذه الزوائد أثبتها وأوضح صاحبها، ومدى قوة زيادته من حيث قوة الراوي لها من عدمه.
ثم ما كان من الروايات في الصحيحين فأثبتها دون نقد؛ وذلك لاتفاق العلماء على صحتها، فقط أشير إلى تخريجها من مظانها، كذلك فعلت بالنسبة للروايات التي حكم عليها النقاد من المحدثين والمؤرخين المشهورين، كابن حجر وابن كثير وغيرهما بالصحة والتحسين أو القبول، غير أنني أنقل أقوالهم حولها ما عدا ما حكم عليه الهيثمي، فإنني أتعقبه خاصة في الروايات المتعلقة بأمور شرعية أو عقدية، نظرا لتساهله في التوثيق، وما عدا ذلك فإنني
1 / 23
ربما أنقل قوله دونما تعليق.
أما الروايات التي خلت من حكم النقاد سواء القدامى منهم أو المعاصرين، فقد درست أسانيدها وسبرتها وفق منهج المحدثين حيث عملت لها شجيرات للرواة لحصر نقاط الضعف أو القوة في الأسانيد أو لمعرفة اختلاف الطرق، ثم ترجمت للرواة من كتب الرجال معتمدا على كتاب "التقريب" لابن حجر، ومن لم أجده في كتاب "التقريب" نظرت إليه في الكتب الأخرى كـ "ميزان الاعتدال" للذهبي، أو "الكامل" لابن عدي، وغيرها من كتب الرجال.
أما بالنسبة لعملية النقد الباطنية (تحليل المتون) فتم بها نقد الروايات الخالية من الإسناد أو التي كان في سندها بعض الضعف، وذلك بمقارنتها مع بعضها، ومناقشة ما جاء فيها من معلومات وفق المنهج التاريخي.
هذا ومما يجدر ذكره أني قوَّيت بعض الروايات الضعيفة حديثيّا لمساندة علم الآثار والحفريات لها، كما ضعّفت بعض الروايات لمخالفتها لأصل من أصول الشريعة. وقد نبهت على بعض الأوهام التي كانت في بعض الروايات من غير تنقيص من قدر العلماء والباحثين الذين اعتمدوها مع الإشارة إلى قلة بضاعتي وضعفي في هذا المجال، مع الدعوة الصادقة لإخواني الباحثين والقرّاء الكرام إلى تنبيهي على الأوهام والأخطاء التي ربما وقعت فيها، فالمؤمن مرآة أخيه كما قال المصطفى ﷺ.
وفي عملية التخريج اتبعت منهجا محددا وهو أنني أقوم بنقد وتخريج روايات الخبر كلاّ على حدة، ثم في نهاية الخبر أذكر تخريجه كاملا وحكم النقاد عليه، ثم أتبع ذلك بحكمي عليه، أما إذا كان الخبر صحيحا مخرجا في الصحيحين أو أحدهما، فإنني أذكر ذلك في بداية كلامي على تخريجه، ثم أخرجه بعد ذلك في بعض الكتب الأخرى وخاصة كتب المغازي. وقد يكون
1 / 24