Batal Nahda Misriyya Kubra Sacd Zaghlul Basha
بطل النهضة المصرية الكبرى سعد زغلول باشا
Genres
وبعد، فإن صاحب الترجمة، كما قالت صحيفة الإيجيبت عنه منذ ثمانية أعوام، من فريق القضاة العصريين، الذين يعتقدون أن القانون لا يعاقب رغبة في الانتقام، ويرون أن من الواجب الأخذ بالرفق في تنفيذ القانون؛ وذلك لأن العقاب لا يطهر المجرم، ولا يزيل عنه أقذار الجريمة، ولكنه على نقيض ذلك أشد إفسادا للمجرم من الجريمة نفسها ولا تظن أنت أن المجرم يصبح بعد العقاب نفس مرتكب الجرم، بل كأن غيره الذي احتمل العقاب على فعلته، وقاسى تبعة جريمته، وليس الانتقام إلا عدلا وحشيا، وما كان القانون إلا عدلا إنسانيا؛ ومن ثم لا ينبغي أن يشوب العقاب القانوني شائبة من وحشية الانتقام وإنما يجب أن تمازجه إنسانية العدل، ولا أظن القانون يعاقب اللصوص والقتلة وغيرهم من الآثمين والجناة لينزع من قلوبهم تلك الأنانية الشديدة التي دفعتهم إلى الاعتداء على حقوق غيرهم ونفوسهم وأموالهم، وليست جرائم السرقة والقتل وغيرهما هي التي نفسها جعلت بين الناس قتلة ولصوصا ومعتدين.
ولعل صرامة العقاب القضائي، وشوائب الانتقام التي تشوبه، وأمارات الترة البادية عليه، هي التي تجعل من الأمور المستحيلات، أن نصبح في مجتمع إنساني يعلن المجرم فيه عن جريمته، ويذيعها على أفراد جنسه، ويملي هو الحكم بعقابه وهو معتز مفتخر بأنه بذلك يوقر القانون الذي سنه بيده، وأنه بعقاب نفسه ينفذ القوة المخولة له، ونعني بها قوة المشرع، وسلطة واضع القانون، ولا يكون من ذلك العقاب الاختياري إلا أن المجرم يرفع نفسه ويعلو بها فوق جريمته ويمحو آثارها بصراحته وعظمته وسكونه.
وذلك هو المجرم الذي يطلبه صالح الجمعية البشرية، وتريده القوانين الإنسانية، شعاره «لا أخضع في عظيم الأمور وحقيرها إلا إلى القانون الذي وضعته أنا بيدي».
والمترجم به كذلك في طليعة المصريين الحريين، كما شهدت له بذلك صحيفة الغازت الفرنسية منذ ثمان سنين أيضا، يرى أن المحافظة لا تلائم سنن التطور، ولا تسير بالجماعات في طريق الرقي، وإنما تقف بها في مكان واحد على حين أن الحياة تجري كل يوم إلى طور جديد، ولا ترى عقيدة المحافظة على القديم إلا ضعيفة الحجة، حقيرة الرأي، لأنها تقبض بيدها على حقيقة واحدة، ولا تريد أن تفتح عينها لترى حقيقة أخرى خيرا منها وأفضل أثرا ولذلك تجد عقيدة المحافظة أبدا معتذرة، محتجة بالظروف والضرورات، وعندها أن التغيير معناه الإفساد، وأن التجديد مرادفه التبديد، ولكنك ترى مذهب الحرية أبدا على الحق، منتصرا فائزا، يقاتل وهو موقن بالنصر والفوز، ومذهب المحافظة يستند إلى أن للإنسان حدود مقررة، ويحتج مذهب التجديد إلى أن ليس هناك أثر لحدود الإنسان، والمذهب الأول يقوم على الظروف ولكنك تجد المذهب الثاني يقوم على القوة، ذاك يطلب الراحة والسكون وهذا لا يريد إلا العمل والحركة ذاك سلبي وهذا إيجابي، والمذهب الأول يعتمد في جميع حياته على ذاكرته وماضيه وأما المذهب الثاني فيركن إلى عقله وحاضره.
وإليك ما قالته عن صاحب الترجمة جريدة التيمس الكبرى في عام 1906 «هو من شيعة المرحوم محمد عبده الذين امتازوا بالارتقاء والتهذيب، وهم الذين أسماهم اللورد كرومر فريق الجيروند في النهضة الوطنية المصرية وهو مصري عريق في وطنيته، أجمع الناس على إكرامه والإعجاب به لما اشتهر عنه من الاستقامة والاستقلال.».
ونحن نقول إن شيعة المرحوم الأستاذ محمد عبده ما نبغت من الأزهر، وذكت في ربوعه، إلا لأنها كانت من أصحاب العقول القوية بفطرتها، والأرواح الخصيبة بطبيعتها، ولا تجد من طلاب الأزهر، نابغة ولا عبقريا، إلا وكان أول أمره ذا عقل قابل، وذكاء فطري وروح وثابة ناهضة لأن الأنبات الإنسانية الضعيفة، والعقول المظلمة، والأدمغة المعتمة، لا تذكو ولا تطيب في تلك التربة الأزهرية القوية، ولا تتفق مع جوها، ولا تنمو تحت قبتها، بل إنها لتزداد كلما بقيت ضعفا وتأودا، وكلما سقيت من سقي ذلك المعهد ورويت من ريه أسرعت إلى الزبول والاضمحلال، أما الذين يعيشون في جو الأزهر من الأقوياء طبائع وأذهانا وأرواحا، فلا ينون في ذلك المعهد يزدادون قوة على قوتهم، وذكاء على ذكائهم لأن الأزهر يخدم النبوغ، وإن لم يكن فيه من هذا النبوغ مادته، وينضج الذكاء الفطري، حتى يكون منه العقل الجبار، والذهن العبقري، وإن لم يكن يعمل على إيجاد هذا الذكاء. والأزهر لا يفيد إلا أهل الاستعداد، ولا يصلح إلا للقابلين للنبوغ والرقي.
فلا عجب بعد ذلك أن نرى الأزهر مقلا من إخراج الثمار الطيبة الصالحة: على كثرة عديد طلابه: وألوف الدارسين فيه، وإذا ما أخرج الأزهر يوما عبقريا واحدا: فلا تظن أن المدارس كلها مستطيعة أن تخرج آخر على شكله وغراره، وهل كانت مدارسنا قادرة على أن تخرج رجلا على نحو الأستاذ الإمام ومثاله، وأنت إذا رجعت إلى الأزهر واطلعت إلى إحصائيات طلابه لألفيت عدد ما يذبل بين جدرانه، ويذوى بين حيطانه يربى على المئات، ويسمو على الألوف، ثم إذا أنت نظرت إلى عدد النوابغ من خريجيه والعبقريين من طلبته: لما وجدتهم إلا نفرا قليلا.
هذا؛ ولا غرو أن يسمي اللورد كرومر شيعة الأستاذ الإمام بفريق الجيروند في النهضة المصرية؛ إذ كان الجيروند هم حزب طلاب الإصلاح في إبان الثورة الفرنسية، وهم المعتدلون الذين كانوا يريدون إصلاحا لا يلطخه دم، ولا يشوبه قتل ولا جرم، وهم العقلاء من دعاة الملكية الدستورية، لم يطلبوا أن يطاح برأس ذلك الملك المخلص الضعيف، ولا أن تدق عنق تلك الملكة الغر الطائشة؛ وإنما يريدون حق كل فرد عند الحكومة دون أن يستعدوا عليها قوة ذلك الفرد، ولولا «الجبليون»
2
المتطرفون ولولا المجازر التي أقاموها والدماء التي سفحوها والنفوس التي أسالوها: لما كان للثورة الفرنسية ذلك الاسم المرعب، والتاريخ المخوف الرهيب، ولا تجد الثورة إلا لنشبه الداعي إليها في كل أطواره وحالاته، فليست الثورة الفرنسية إلا لتحكي چان چاك روسو في كل أحواله الطبيعية، ومزاجه الثوري: وعواطفه الحارة المضطربة: والداعون إلى الثورة يبدأون بطلب حق مهضوم، وينتهون بأن يصبحوا لحقوق غير حقهم هاضمين، وهل ترى روبسبيير ومورات ودأنتون
Unknown page