Science
ومن يجعلونه مفخرة للعصور الحديثة، فغاية شأنه أنه منافع ومرافق. وما من أحمق يعجز عن كشف من تلك الكشوف العلمية، أو كما قال السيد الشيخ في رواية «العودة إلى متوشالح»: «إنني يا سيدتي أجل الكشوف الفخمة التي نحن مدينون بها للعلوم، ولكنه ما من أحمق يعجز عن كشف منها. فكل طفل في سنواته الأولى له كشوف تفوق في عددها كل ما كشفه في معمله روجر باكون.»
وجرى الحديث في بيت «شو» بينه وبين بعض جلسائه فقال: إن الألمان لو انتصروا لجردوني من كل ما أملك، ولكنني - لحسن الحظ - لا أحتاج إلى كثير.
قال جليسه ما فحواه: لست أنسى ماكس نورداو، وقد جاء يزورنا بعد الحرب العالمية الأولى، فطفق يشكو الحكومة الفرنسية التي جردته مما عنده حتى أوشكت أن تهبط به إلى التسول والاستجداء.
فقاطعه «شو» قائلا: كلا، إنه من عملي أنا. إنني ضربته الضربة القاضية، وكنت الوحيد في هذه الديار الذي استطاع أن يخرجه من أعماقه ويتركه حيث يغرق ...
فعقب محدثه قائلا: إن تولستوي قد صنع بأستاذ نورداو مثل ما صنعت أنت بنورداو، فقد زاره لمبروزو في أوج عظمته، فراح يتحدث إليه في زهو وعظمة عن عصر العقل وتقدم العلوم، فأخذه تولستوي إلى بحيرة بجوار المزرعة وسأله: أتحسن السباحة؟ وبدا لصاحبنا لمبروزو أنه ما من معرفة تخفى عليه، فغطس تولستوي وتبعه هو في أثره، وما هي إلا هنيهة حتى صاح في طلب النجدة، فأسرع إليه تولستوي وأخرجه من الماء ، فخرج منه مبتلا ولكن متعظا ... ووقع الدرس في موقعه، فعلم صاحبنا أن الرجل قد يتعرض لشرح جميع الأمور، ثم يفتقر بعد ذلك إلى العون والإنقاذ.
فأغرب «شو» ضحكا، وقال في شيء من الشيطنة: لو كنت تولستوي لتركته يغرق؛ فإنني على يقين أن العظة قد ضاعت لديه.
ثم عطف قائلا: أنت تعلم أن تولستوي - مثلي - لم تخدعه هذه الخرافات التي يسمونها بعلوم العلماء وطب الأطباء.
وقد أجمل شو غرضه من هذا الاستخفاف بالعلم في الحوار الذي أشرنا إليه آنفا بين نيوتن وفوكس. فبعد أن شرح العالم المتصوف بعض الحقائق الفلكية للقس الحكيم قال هذا: الآن أنا من الحكمة بحيث كنت قبل أن أعلم ما شرحت ... يريد أن معرفة الحقيقة العلمية لا تزيد الإنسان حظا من الحكمة أو الفطنة أو «الحقيقة الحية»، وهي أحق الحقائق بالتحصيل.
ولا يمنعك «شو» أن تقرأ ما تستطيع وتطلع على كل ما في وسعك أن تطلع عليه، ولكنه يحسبه كله عبثا مضيعا إن لم تستفد منه رياضة النفس ورياضة الذوق ورياضة الجسد، وقد يكون قليل من البصر بالفنون والخبرة الرياضية أجدر بصبغة الثقافة من معارف العلوم كلها بمعزل عن الذوق والرياضة.
Unknown page