حياة برنارد شو الفنية هي حياة الكفاح للفقر، وأولى دراماته: «حرفة المسز وارينز» تعالج موضوع الفقر، وهو اشتراكي المذهب لأنه يجد في هذا المذهب معالجة للفقير.
الفقر عند برنارد شو هو الأصل والجذر لعشرات من الشرور والآثام، ومعالجته هي معالجة لعشرات من الشرور والآثام.
كنت في 1931 في رحلة في الصعيد، وكان أعظم ما وقع في نفسي رؤية الفلاحين في فقرهم الفاحش المزري، الذي حرمهم الكرامة والنظافة والصحة والمعرفة، وجدت هناك خادمات يعملن بخمسة عشر قرشا في الشهر، أي خمسة مليمات في اليوم فقط، وعرفت أن بعض العمال يعملون بخمسة عشر مليما في اليوم، ثم مع ذلك لا يجدون العمل كل يوم.
وفهمت عندئذ لماذا تكثر الجرائم البشعة في الصعيد.
أليست الحياة رخيصة؟ فماذا لو فقدناها؟ ماذا نفقد بفقدانها؟ نفقد لقمة الذرة الجافة نسيغها بالماء العاكر؟ ولماذا لا نغامر بالقتل والسرقة والاغتصاب وخطف الأطفال؟
إن قصارى ما يمكن أن ينزل بنا من الكوارث إذا ارتكبنا هذه الجرائم هو السجن، وهو مكان رحب يحتوي الغذاء والكساء بالمقارنة إلى الحياة بالحرمان والجوع والمرض التي كان يحياها فلاحونا في الصعيد حين زرته في 1931.
في 1940 كنت أحرر «مجلة الشئون الاجتماعية» فوصفت في إحدى مقالاتي «الفقر والجهل والمرض» بأنها ثالوث مدنس، كل رذيلة فيه تؤدي إلى الرذيلتين الأخريين، وارتحت كثيرا حين وجدت أن كتابنا تعلقوا بهذه الكلمات وكرروا ذكرها في الصحف للتنوير العام حتى وصل التنوير إلى الوزراء، ولكن بلا جدوى.
والآن أحب أن أقول إن أرذل هذه الرذائل الثلاث هو الفقر؛ إذ هو يؤدي حتما إلى الجهل والمرض، أما هذان الاثنان فيمكن في بعض الحالات، وفي نظامنا الاقتصادي الحاضر، ألا يؤدي أحدهما إلى الفقر.
نظامنا في أساسه اقتصادي، وعلى قواعده الاقتصادية تنبني جدران بنائه الاجتماعي، ومن هذا البناء الاجتماعي تتكون أخلاقنا بل عواطفنا التي نعتقد أنها طبيعية، ولذلك حين نقع في الفقر تنهار جميع أو معظم قيمنا الاجتماعية، ولا يستطيع الثبات على هذه القيم في وجه الفقر سوى الأقلين الشاذين الذين يمكن أن نعزو شذوذهم هذا إلى مركبات معينة هي أقرب إلى المرض منها إلى الصحة.
يقول برنارد شو:
Unknown page