وكان الأثرياء يمتازون بأحسن الأطباء، الذين يكافئونهم بأكبر الأجور التي يعجز الفقراء عن تقديمها لهم، فكان الأثرياء يدخلون المستشفيات الفخمة ويجدون الخدمة الممتازة حين كان الفقراء يقنعون بالطبيب الرخيص، الذي قد يكون كذلك لأنه غير كفء في المعالجة ولم يكونوا يجدون سوى المستشفيات الحقيرة.
ثم أمم الطب في إنجلترا؛ فلم يعد الطبيب يتناول أجرا من المريض، وإنما هو يتناول مرتبه آخر الشهر من هيئة حكومية، وصار أفقر الفقراء يجد العناية التي يجدها أثرى الأثرياء، كما أن طقوم الأسنان، والنظارات، والسماعات، وزعت بالمجان على المحتاجين إليها.
أصبح من مصلحة الأطباء أن تنتشر الصحة وتقل الأمراض، حتى لا يتعبوا في العلاج؛ لأن زيادة الأمراض لن تزيد أجورهم.
ونحن في مصر نكلف الدولة القيام بالتعليم المدرسي والجامعي؛ أي أن التعليم مؤمم، وقد كان يمكننا أن نترك التعليم كله للهيئات غير الحكومية شركات أو أفراد، فهل لو كان كذلك كنا ننتفع به كما ننتفع الآن به وهو مؤمم تحت إشراف الحكومة؟
ولسنا مع ذلك اشتراكيين في مجموع أو معظم نشاطنا وأعمالنا، وإنما بدون هذا القليل من النظم الاشتراكية في الدولة لا يمكن البقاء.
بل الدفاع عن البلاد، بالجيش والأسطول والطائرات عمل اشتراكي لا يمكن أمة - مهما بالغت في الإيمان بالمذهب الانفرادي - أن تأتمن الأفراد أو الهيئات الحرة على أن تتولاه.
بل أكثر من هذا، فإنه حين تحدث الأزمات لقلة المعروض من القمح أو البترول أو نحو ذلك؛ تنهض الحكومات وتتدخل لمنع المباراة الحرة في هذه الأشياء، فتشتري هي القمح أو البترول وتبيعها لأفراد الشعب؛ وذلك لإيمانها الراسخ بأن التاجر الحر عندما يجد قلة في سلعة معروضة للبيع يرفع أثمانها، وقد يخفيها، حتى يحس الجمهور قلتها فيزيد في الثمن لشرائها.
نظام المباراة الحرة في الكسب هو النظام الانفرادي، ونظام الإشراف أو الإدارة الحكومية هو النظام الاشتراكي، ولكن وصف الاشتراكية بأنها نشاط حكومي يحدث التباسات، وصحيح أن هناك اشتراكية حكومية حين تدير الحكومة الرئيسية السكك الحديدية مثلا، أو حتى يتولى المجلس البلدي كنس الشوارع وتنظيم المواصلات في المدينة، ولكن الاشتراكية أكبر من هذا.
فحين يكون هناك مصنع أو مزرعة يتولى العمال إدارتهما بأنفسهم، ويؤلفون من أنفسهم حكومة لهذا المصنع أو لهذه المزرعة، ويعينون الأجور، كما يعينون المبالغ للتجديد والترميم، ويختارون اللجنة المشرفة، والحكومة الرئيسة (المركزية العامة) لا تتدخل في إدارة هذا المصنع إلا بمقدار ما تحافظ به على مصلحة المستهلكين، أو للفصل في خلاف تعجز اللجنة المشرفة عن علاجه.
النظام الاشتراكي يقوم على: (1)
Unknown page