ولكن صداقة العمر التي استمتع بها برنارد شو أكثر سني حياته هي صداقته لسدني ويب وزوجته بياترس ويب، فقد كان هؤلاء الثلاثة كالشخص الواحد أكثر من ستين سنة، لهم هدف موحد ووسائل موحدة يستجيبون لأحداث العالم وتطوراته وكأنهم على خطة لا تتغير.
عرفهما برنارد شو قبل أن يبلغ الثلاثين، وتزوج شارلوت بإيحائهما، ولما ماتت شارلوت تركت في وصيتها ألف جنيه هدية وتقديرا لبياتريس ويب، وبياتريس ويب امرأة من أولئك النسوة الجديدات في عصرنا، يمكن أن نقول بأنها كانت وجودية من حيث لم تكن تدري، فقد استقلت منذ شبابها وأصرت على أن تحيا حياتها كما تريد وترغب، وتعلمت بوحي عقلها، وجربت.
عرفت - وهي فتاة في بداية العقد الثالث من عمرها - أن العاملات من الفتيات والزوجات الفقيرات، اللائي يعملن في الخياطة في الحي الفقير في شرق لندن، يجهدهن ويستغلهن تجار عتاة لا رحمة عندهم، فاندمجت بينهن، وعملت معهن، وتناولت أجورا مثلهن، مع أنها كانت تنتمي إلى عائلة غنية، وبقيت على ذلك تدرس أحوالهن في السلوك والطعام والمأوى، وكتبت عن حياتهن فصولا حفزت المفكرين بعد ذلك على ضرورة الإصلاح.
وتزوجت بياتريس زوجا عجيبا، من أولئك الأفذاذ الذين يحبون الدنيا أكثر مما يحبون أنفسهم؛ ولذلك تحبهم الدنيا بعد ذلك وترفعهم إلى القمم، وقد صار سدني ويب بعد ذلك وزيرا في حكومة العمال.
وكان بيت ويب - زوجا وزوجة - مكتبة من أوله إلى آخره، من دهليزه إلى مطبخة، وكانت مائدة الطعام منضدة العمل، يتناولان طعامهما، ثم يفرشان المنضدة ويضعان الكتب والأوراق لدراسة الإنسانية.
درسا الاشتراكية وآمنا بها، وكان لكل منهما مجهود احتاج إلى عرق وتعب في تنشئة الجمعية الفابية التي علمت الأغنياء مبادئ هذا المذهب، وبحث كلاهما البؤس والإجرام ونظم الحكم وتعليم الشعب ونحو ذلك ما استغرق كل حياتهما.
وعرفهما برنارد شو، وتعلم منهما كثيرا، كما تعلما منه، وتوثقت الصداقة بين الثلاثة، وكانت صداقتهم تنهض على وحدة الهدف، وهي الاشتراكية لإنجلترا. •••
لقد ذكرت هنا بعض الأصدقاء الذين اختارهم برنارد شو أو اختاروه، فكانوا زملاء العمر، يجد كل منهم الوفاء من صاحبه له، ويستمتع بحبه، والأديب بطبيعته قليل الأصدقاء، يتألق في اختيارهم؛ لأن عمله انفرادي يحتاج إلى الخلوة أكثر مما يحتاج إلى الاجتماع.
ولكن هناك أصدقاء نؤثرهم على هذه الخلوة المقدسة؛ لأنهم ممتازون في القلب والعقل، نأتنس بقلبهم ونستنير بعقلهم، ونحن بؤساء حين لا يكون لنا أصدقاء.
العبقري في زواجه
Unknown page