Bariqa Mahmudiyya
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
Publisher
مطبعة الحلبي
Edition Number
بدون طبعة
Publication Year
١٣٤٨هـ
لِلْقَرِينَةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ نَحْوَ كُنْتُمْ خِطَابٌ لِلْحَاضِرِينَ وَقْتَ النُّزُولِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْغَائِبِينَ دَلَالَةً أَوْ مُقَايَسَةً أَوْ بِنَصٍّ كَمَا فِي مَحِلِّهِ قُلْنَا هَذَا قَرِيبٌ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مِمَّا ذُكِرَ.
وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ فَضْلُ فَرْدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ عَلَى بَعْضِ فَرْدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ ﷺ «طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي مَرَّةً وَطُوبَى لِمَنْ لَمْ يَرَنِي وَآمَنَ بِي سَبْعَ مَرَّاتٍ» .
وَبِقَوْلِهِ «أَفْضَلُ الْخَلْقِ إيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي فَهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ إيمَانًا» كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ فَقَرِيبٌ بِظَاهِرِهِ أَنْ يَكُونَ تَرْجِيحًا لِلْآحَادِ عَلَى النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ بَلْ الْمُتَوَاتِرُ إذْ الْأَحَادِيثُ فِي أَفْضَلِيَّةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ مُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى وَلِهَذَا قَالُوا فَضْلِيَّةُ الصُّحْبَةِ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ لَا يُعَدُّ لَهَا عَمَلٌ ثُمَّ نَقُولُ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ لَا يَلْزَمُ اسْتِفَادَةُ أَفْضَلِيَّةِ الْجَمِيعِ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ إذْ يَجُوزُ فَهْمُهَا مِنْ نَصٍّ آخَرَ وَيَجُوزُ فَضْلُ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِعْمَةً مُوجِبَةً لِلْحَمْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُلِّ لِظُهُورِ انْتِفَاءِ الْبَاقِينَ نَصًّا أَوْ عَقْلًا عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ مَا ذُكِرَ مِنْ سَبَبِ النُّزُولِ وَالتَّخْصِيصِ غَيْرُ مَعْلُومٍ قَطْعًا فَنَعْمَلُ بِقِيَاسِنَا فِي مِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَالصَّلَاةُ) فِي الْقَامُوسِ الصَّلَاةُ الدُّعَاءُ وَالرَّحْمَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَحُسْنُ الثَّنَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ فَمَا خُصَّ أَنَّ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَأَنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ فَلَيْسَ بِتَمَامِهِ لُغَوِيًّا لَعَلَّ لِهَذَا.
قَالَ الْفَاضِلُ الْمُنَاوِيُّ كَذَا أُثِرَ عَنْهُ الْخَبَرُ فَتَكُونُ مَعْنَى شَرْعِيًّا وَأَبْطَلَ مَنْ أَرْجَعَ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ إلَى طَلَبِ الرَّحْمَةِ بِلُزُومِ إرْجَاعِ جَمِيعِ الْمُشْتَرَكِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ يَجْمَعُ الْجَمِيعَ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ أَلْبَتَّةَ وَلَيْسَ فِيهَا جِهَةُ الْإِخْبَارِيَّةِ كَالْحَمْدِ إذْ لَيْسَ الْأَخْبَارُ بِثُبُوتِ الدُّعَاةِ دُعَاءً فَلَا يَصِحُّ هُنَا غَيْرُ مَعْنَى الرَّحْمَةِ إذْ الْمَعْنَى أَيْ مَعْنَى الصَّلَاةِ صَلِّ بِمَعْنَى نَطْلُبُ الصَّلَاةَ أَيْ الرَّحْمَةَ وَلَا مَعْنَى مِنْ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ ﵇ هُنَا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ هُنَا مَا هِيَ مِنْ اللَّه فَقَطْ فَلَعَلَّ أَنَّ جُمْهُورَ الشُّرَّاحِ ذَهِلُوا فَوَقَعُوا عَلَى مَا وَقَعُوا بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْقَامُوسِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَطْلُوبُ حُسْنَ الثَّنَاءِ نَقَلَ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي.
وَهَذَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الرَّحْمَةِ أَوْ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ الرَّحْمَةُ الْخَاصَّةُ نَحْوُ الْوَسِيلَةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِسُؤَالِهَا بِقَوْلِهِ ﷺ «سَلُوا لِي الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ» وَنَحْوُ إبْقَاءِ الشَّرِيعَةِ وَتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ وَتَشْفِيعِهِ فَإِنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا غَايَةَ لِإِحْسَانِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُحَسِّنَهُ تَعَالَى بِسَبَبِ دُعَائِنَا غَيْرَ إحْسَانِهِ مِنْ كَرَمِهِ وَمِنْ مُجَازَاةِ أَعْمَالِهِ ﷺ فَنَوْعٌ مِنْ الرَّحْمَةِ مَنُوطٌ بِدُعَاءِ الْأُمَّةِ كَسَائِرِ الْعَادِيَّات عَلَى حِكْمَتِهِ وَمِنْ الْحِكْمَةِ تَثْوِيبُ الْمُصَلِّي وَتَقْرِيبُهُ وَرَبْطُ عَلَاقَةٍ وَمَحَبَّةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَبِيِّهِ ﷺ حَتَّى يَكُونَ شَفِيعَهُ أَوْ صَاحِبَهُ بَلْ رَفِيقَهُ وَيَقْضِي بِهَا حَاجَاتِهِ وَقِيلَ فَائِدَةُ الصَّلَاةِ مُجَرَّدُ التَّقَرُّبِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ تَعَالَى وَقَضَاءِ حَقِّ نَبِيِّهِ ﷺ أَقُولُ هَذَا كَلَامٌ ظَاهِرِيٌّ إذْ يُقَالُ حِينَئِذٍ مَا فَائِدَةُ أَمْرِهِ تَعَالَى وَكَيْفَ يَقْضِي حَقَّهُ بِمَا لَا فَائِدَةَ لَهُ وَقِيلَ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْنَا شُكْرُ نِعَمِهِ ﷺ مَعَ عَجْزِنَا عَنْهُ أَمَرَنَا اللَّهُ بِهَا شَفَقَةً لَنَا وَإِلَّا كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الشَّفَاعَةُ لِمَنْ يَشْفَعُ لِلْكُلِّ وَهَذَا قَرِيبٌ لِمَا ذُكِرَ آنِفًا عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ عَنْ الشُّكْرِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ وَبِالْجُمْلَةِ إنْ كَانَ الصَّلَاةُ شُكْرَهَا فَلَيْسَ بِعَجْزٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهَا فَائِدَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّكْرَ لَيْسَ بِعَقْلِيٍّ بَلْ شَرْعِيٌّ فَالْأَوْلَى مَا قَدَّمْنَا وَهُوَ أَيْضًا أَوْلَى مِمَّا نُسِبَ إلَى بَعْضِ الْعَارِفِينَ وَقَرِيبٌ إلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ أَنَّ فَائِدَتَهَا تَرْجِعُ إلَى الْمُصَلِّي فَقَطْ لِدَلَاتِهَا عَلَى صِدْقِ الْعَقِيدَةِ وَإِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ وَاحْتِرَامِ الْوَاسِطَةِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى تَفْسِيرِ الصَّلَاةِ بِالرَّحْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: ١٥٧]- أَقُولُ قَدْ عَرَفْت مَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْقَابِلَةِ وَإِنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْوَاوِ عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى مُسَاوِيهِ بَلْ عَلَى مُرَادِفِهِ ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ بِغَيْرِ تَبَعٍ قِيلَ تَجُوزُ وَالْأَصَحُّ لَا تَجُوزُ فَأَوْرَدَ بِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» وَدُفِعَ بِكَوْنِهِ مِنْ خَوَاصِّ النَّبِيِّ أَقُولُ يُرَدُّ عَلَيْهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى - ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٣]
1 / 9