Bariqat Maḥmūdiyya fī sharḥ Ṭarīqat Muḥammadiyya wa-sharīʿat nabawiyya fī sīrat Aḥmadiyya
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
Publisher
مطبعة الحلبي
Edition Number
بدون طبعة
Publication Year
١٣٤٨هـ
يُفَسِّرُونَهُ بِهِ وَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ اخْتِيَارُ جَانِبِ الْعُرْفِيِّ إذْ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا أَيْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ بَلْ الشَّرْعُ أَيْضًا يُرَجِّحُ الْعُرْفَ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْعُرْفِ إمَّا الْعُرْفُ الْعَامُّ فَيَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا فِي أَيِّ فَنٍّ كَانَ أَوْ الِاصْطِلَاحُ الْخَاصُّ وَالْمُتَبَادِرُ فِي أَلْفَاظِ الشَّرِيعَةِ هُوَ اصْطِلَاحُ أَهْلِ الشَّرْعِ وَالْمَقَامُ تَخَاطُبُ الشَّرْعِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَا يُصَارُ إلَى مَجَازِهِ بِلَا صَارِفٍ وَقَدْ قُرِّرَ لَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ بِلَا تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَأَيْضًا مُقْتَضَى الْعَقْلِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْعُرْفِيِّ إذْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا إذْ حَاصِلُهُ مُطْلَقُ التَّعْظِيمِ الشَّامِلِ لِمَا بِاللِّسَانِ وَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا كَانَ شُمُولُهُ أَكْثَرَ فِي الْفَائِدَةِ أَوْفَرُ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَمْدَ هُنَا لَيْسَ مُنْبَعِثًا مِنْ قِرَاءَةِ هَذَا الْكِتَابِ فَقَطْ بَلْ تَصْنِيفُهُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ حَتَّى الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ.
وَأَمَّا خُصُوصُ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ النِّعْمَةُ فَلَا يَضُرُّ بَلْ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّ حَمْدَ اللَّهِ لَا يَخْلُو عَنْ نِعْمَتِهِ وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُهُ تَعَالَى الْحَمْدَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ نِعْمَتِهِ وَإِنْ أَهَمَّ فَمِنْ قَبِيلِ اسْتِلْزَامِ مُحَالٍ مُحَالًا آخَرَ أَوْ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الْوَاقِعِ بِمَقَامِ التَّصْنِيفِ وَالْقِرَاءَةِ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ أَنَّ التَّحْمِيدَاتِ النَّبَوِيَّةَ وَالْمَأْثُورَةَ عَلَى أَلْفَاظِ نَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ الظَّاهِرُ مِنْ أَمْثَالِهَا إنْشَاءُ الْحَمْدِ لَا الْإِخْبَارُ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي الْمُؤْثُورَاتِ هُوَ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْحَمْدِ كَوْنُ الْمَحْمُودِ مُخْتَارًا وَهُوَ كَمَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيجَابِ وَأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى الِاخْتِيَارِيِّ أَبْلَغُ مِمَّا عَلَى الْإِيجَابِيِّ وَكَوْنُهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَأَيْضًا لِلْعُمُومِ السَّابِقِ فِي الْحَمْدِ مَدْخَلٌ مَا فِي التَّرْجِيحِ وَإِنَّ اللِّسَانَ أَكْثَرُ شُيُوعًا لِلنِّعَمِ وَأَدَلُّ عَلَى شَرَفِهَا لِخَفَاءِ الِاعْتِقَادِ وَلِاحْتِمَالِ الْجَوَارِحِ لِغَيْرِ الشُّكْرِ أَوْ لِغَيْرِ شُكْرِ النِّعْمَةِ الْمُعَيَّنَةِ.
وَبِمَا قَرَّرْنَا عَرَفْت وَجْهَ اخْتِيَارِ الْحَمْدِ عَلَى الشُّكْرِ وَالْمَدْحِ سِيَّمَا الشُّكْرَ الْعُرْفِيَّ الَّذِي هُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَى مَا خَلَقَ لَهُ وَمِمَّا ذُكِرَ عَرَفْت سِرَّ قَوْلِهِ ﷺ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَأْسُ الشُّكْرِ» لِأَنَّ الشُّكْرَ لَمَّا كَانَ بِاللِّسَانِ وَالْجِنَانِ وَالْأَرْكَانِ وَكَانَ اللِّسَانُ أَشْيَعَ وَأَدَلَّ وَفِيهِ إظْهَارُ النِّعْمَةِ كَانَ رَأْسًا وَلَعَلَّ بِمِثْلِ هَذَا فُضِّلَ التَّحْمِيدُ عَلَى التَّسْبِيحِ بَلْ عَلَى التَّهْلِيلِ عِنْدَ بَعْضٍ بِظَاهِرِ بَعْضِ الْحَدِيثِ وَإِنْ رُدَّ فِي التَّهْلِيلِ لِعَدَمِ مُعَادَلَةِ شَيْءٍ لَهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِالْجَمِيلِ إنْ كَانَ صِلَةً لِلْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى الْمَحْمُودِيَّةِ مُطَابَقَةً وَعَلَى الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ الْتِزَامًا وَإِنْ لِلسَّبَبِيَّةِ فَعَلَى الْعَكْسِ وَالْوَصْفِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاصِفٍ فَهُوَ الْحَامِدُ وَمِنْ مَوْصُوفِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَهُوَ الْمَحْمُودُ وَنَفْسُ الْوَصْفِ مَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالْمَحْمُودِيَّةِ فَتَحْقِيقُ مَاهِيَّةِ الْحَمْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْقِيقِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ.
فَالْأَوَّلُ أَيْ الْمَحْمُودُ بِهِ صِفَةٌ تُظْهِرُ اتِّصَافَ شَيْءٍ بِهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ صِفَةَ كَمَالٍ يُدْرَكُ عَقْلًا وَلَوْ بِدِقَّةِ نَظَرٍ أَوْ تَعَلُّمٍ
1 / 5