136

Bariqat Maḥmūdiyya fī sharḥ Ṭarīqat Muḥammadiyya wa-sharīʿat nabawiyya fī sīrat Aḥmadiyya

بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية

Publisher

مطبعة الحلبي

Edition

بدون طبعة

Publication Year

١٣٤٨هـ

الْعَبْدَ فِيهِ بَيْنَ صَبْرِ يَوْمٍ وَشُكْرِ يَوْمٍ.
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عُرِضَتْ عَلَيَّ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَكُنُوزِ الْأَرْضِ فَرَدَدْتُهَا فَقُلْتُ أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا أَحْمَدُكَ إذَا شَبِعْتُ وَأَتَضَرَّعُ إلَيْك إذَا جُعْتُ» «وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ»؛ لِأَنَّهُ مُتَوَسِّطٌ بِلَا إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ وَلِأَنَّهُ عَدَالَةٌ لَيْسَ فِيهِ جَوْرٌ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الطَّاعَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَمَشَقَّةَ الطَّاعَةِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ» اُسْتُشْكِلَ بِنَحْوِ حَدِيثِ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ» وَحَدِيثُ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَعْبَانُ» لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَفْضِيلَ صَوْمِ دَاوُد بِاعْتِبَارِ الطَّرِيقَةِ وَالْحَدِيثُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ فَطَرِيقَةُ دَاوُد فِي الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ مِنْ طَرِيقَتِهِ فِي غَيْرِهِ كَذَا وَفَّقَ جَمْعٌ وَضُعِّفَ وَوُفِّقَ الْحَدِيثَانِ بِأَنَّ حَدِيثَ شَعْبَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ أَوْ أَنَّ الْمُحَرَّمَ أَفْضَلُ اسْتِقْلَالًا وَشَعْبَانُ أَفْضَلُ تَبَعًا لِرَمَضَان ثُمَّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ نَفْلًا الْمُحَرَّمُ ثُمَّ رَجَبٌ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ شَعْبَانُ وَلَا يُعَارِضُهُ «إكْثَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَوْمَهُ دُونَ شَهْرٍ»؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلِمَهُ آخِرًا وَلَعَلَّهُ لِعَارِضٍ انْتَهَى «قُلْت» أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» لِاعْتِمَادِهِ عَلَى قُوَّةِ نَفْسِهِ رَغْبَةً لِلطَّاعَاتِ وَحِرْصًا عَلَيْهَا «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ»، فَإِنْ قِيلَ عَلَى رِوَايَةِ " أَفْضَلُ الصِّيَامِ " مُطَابَقَةً وَعَلَى رِوَايَةِ " أَعْدَلُ الصِّيَامِ " الْتِزَامًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُنْتَهَى فِي الْفَضْلِ وَلَا فَرْدَ مِنْ الصَّوْمِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ إذْ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ.
وَكَذَا أَفْضَلُ الَّذِي بِمَعْنَى الْفَرْدِ السَّابِقِ وَعَبْدُ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَكَيْفَ يُعِيدُ هَذَا الْكَلَامَ قُلْنَا لِحِرْصِهِ عَلَى الطَّاعَةِ يُحْمَلُ الِاسْتِغْرَاقُ عَلَى نَحْوِ الِادِّعَائِيِّ وَالْإِضَافِيِّ كَمَا هُوَ حَالُ الْخَطَّابِيِّ أَوْ لَعَلَّهُ يُفْهَمُ مِنْ نَصٍّ آخَرَ أَفْضَلِيَّةُ الزِّيَادَةِ وَصَوْمُ الدَّهْرِ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى فَضْلِ السَّرْدِ وَحَمَلُوا ذَلِكَ الْحَدِيثَ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِعَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَأُيِّدَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ ﵊ لَمْ يَنْهَ حَمْزَةُ عَنْ السَّرْدِ (وَزَادَ فِي رِوَايَةِ «فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا» فَيَلْزَمُ عَلَيْك إعْطَاؤُهُ مِنْ تَقْوِيَتِهِ وَتَنْمِيَتِهِ فَتَقُومُ بِأَعْمَالِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
«، وَإِنَّ لِزَوْجِك» أَيْ زَوْجَتِك، وَقَدْ سَمِعْت إطْلَاقَ لَفْظِ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ زَوْجُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] «عَلَيْك حَقًّا» بِالْوَطْءِ لِتُحْصِنَهَا عَنْ الزِّنَا وَلَأَنْ تَقُومَ فِي نَحْوِ نَفَقَتِهَا وَلِرَجَاءِ وَلَدٍ صَالِحٍ هُوَ نَتِيجَةُ التَّزَوُّجِ وَفَائِدَتُهُ («، وَإِنَّ لِزَوْرِك» بِفَتْحٍ وَسُكُونٍ جَمْعُ زَائِرٍ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الزَّوْرُ الزَّائِرُ وَالزَّائِرُونَ يُشِيرُ إلَى اسْتِوَاءِ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ.
«عَلَيْك حَقًّا» بِالْخِدْمَةِ وَالْإِكْرَامِ وَالتَّأْنِيسِ بِالضِّيَافَةِ وَالْأَكْلِ مَعَهُ، فَإِنْ قِيلَ يُمْكِنُ لِعَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ هُنَا إنِّي أُؤَدِّي هَذِهِ الْحُقُوقَ وَأَفْعَلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قُلْنَا الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا شُرِعَ حُكْمٌ بِعِلَّةٍ فَلَا يَنْتَفِي ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ تِلْكَ الْعِلَّةِ وَأَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تُشْرَعُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ لَا لِشَخْصِهِ كَرُخْصَةِ السَّفَرِ لَا تَزُولُ بِزَوَالِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ.
(وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «أَلَمْ أُخْبَرْ» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ «أَنَّك تَصُومُ الدَّهْرَ» إلَّا الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ «وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ» قِيلَ كُلُّهُ فَفِيهِ نَظَرٌ «كُلَّ لَيْلَةٍ» بِلَا نَوْمٍ أَصْلًا الظَّاهِرُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَ

1 / 136