كانت الحياة في بيت هارون رغدة سعيدة، فهو حريص ألا يشغل نفسه بمناقشات داخل البيت، فكل ما تطلبه حميدة أو ولداه مجاب؛ فلم يكن غريبا أن يكون لكل منهم سيارة خاصة، وأن تكون النقود في أيديهم كافية دائما لما تتوق إليه نفس أي واحد من ثلاثتهم. ولكن الثلاثة جميعا كانوا يشعرون أنهم لا يعيشون كما يعيش الناس، وأن هناك شيئا كبيرا يفتقدونه فيفقدونه. وكانوا لا يخفون هذه المشاعر عن بعضهم البعض، فكان شهاب يقول دائما: لقد حول أبونا أبوته إلى نقود واستراح.
وكان فائق يجيبه: إنه يملك المال، وكل عاطفته منصرفة إليه. أما نحن فلنأخذ ما نريد على شرط واحد، ألا نزعجه بأي أمر من أمورنا.
وتقول حميدة في محاولة لإرضاء ابنيها: وماذا تريدان؟ وماذا ينقصكما؟
ويقول شهاب دون ريث من تفكير: ينقصنا أب.
وتصيح حميدة وهي تعلم أنها على غير حق: أطال الله عمره! يعني هو مشغول كل هذا الشغل من أجل من، أليس من أجلنا؟
ويقول فائق: أبدا. إنه يعمل ليل نهار ليشبع هوايته في جمع المال.
وتقول حميدة: هل تأخر عنكما في شيء؟
ويقول شهاب: أتعرفين يا أمي أننا لولا جلوسنا مع جدنا سعدون وجدنا حامد ما عرفنا أي شيء عن الحياة ولا المبادئ ولا القيم؛ فهذه أشياء لا نتعلمها من المدارس أو الكليات، ولا يستطيع الشباب في مثل عمرنا أن يحدثونا عنها.
وتقول حميدة: والله يا بني لا يصدق عليك إلا ما يصدق على البشر كلهم. إنا أحدا منهم لا يرضى عن حاله أبدا، وكل إنسان يبحث في داخله عما يتعسه أكثر مما يبحث عما يسعده.
ويقول شهاب: أهذا رأيك؟ - وما رأيك أنت؟ - رأيي أن الحياة العامة ممارسة، ومعرفة الناس وتجاربهم ثروة أكبر من ثروة المال.
Unknown page