ثانيا: قال الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (1/246) عن هذا التقسيم:
(إن هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو في نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي؛ لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة؛ لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها.
فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعا، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين .
أما المكروه منها والمحرم؛ فمسلم من جهة كونها بدعا لا من جهة أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر ما أو كراهته؛ لم يثبت ذلك كونه بدعة؛ لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة، إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه) .
هذا بالنسبة إلى التقسيم المذكور، أما بالنسبة إلى الأمثلة التي ذكروها لهذا التقسيم فالجواب عنها ما يلي:
(أما الرد على أهل الزيغ فإنه من إنكار المنكر لأن البدع هي أعظم المنكرات بعد الشرك بالله، وهو أيضا من الجهاد في سبيل الله ومن النصيحة للمسلمين.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : { ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون
ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل } رواه مسلم.
وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الثلاثة الذين قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
Page 44