وقد فرض هذا الاتفاق على الدول التي قبلته أن تساهم بواسطة بنكها المركزي أو بواسطة بنك ترضاه حكومتها أو بواسطة حكومتها في دفع حصة معينة يدفع قسم منها ذهبا والقسم الآخر بالعملة الوطنية أو بسندات حكومية لا تدفع عنها فوائد، وبشرط أن تكون تحت الطلب كأنها نقد أو ما يقوم مقامه. ومن هذا يتكون مال الصندوق الذي يسعف الدولة المحتاجة بقرض قصير الأجل كما يمد البنك الدولي للتعمير البلاد التي تحتاج قرضا طويل الأجل أو يسعى لها في تدبير ذلك القرض بمعونته.
يتضح من ذلك أن النظام الذي قام عليه بنك التعمير قد قصد منه توظيف لرءوس أموال عاطلة كان يخشى عليها من الخسارة إذا استغلت في غير بلادها، فجاء هذا الاتفاق يؤمنها من الخسارة التي تعمل الدول متكافئة على درئها. وبهذا يجد أصحاب رءوس الأموال في هذا البنك ما يقوي عزائمهم على الإقراض الدولي المضمون في نظير رضائهم بربح قليل.
وعندي أنه لا جدال في كون هذا النظام له مزايا لا يستهان بها إذا احترمته الدول الموقعة عليه، وضحت ببعض مصالحها في سبيل مصلحة العالم. ولكن مع الأسف لكل بلد ظروفه الخاصة وحكومته التي تخضع لبرلمانه، ولا أعتقد أن هذه الهيئة الدولية تستطيع أن تسير البنوك المركزية في مختلف الدول كما تسير إدارة هيئة الفدرال ريزرف البنوك المركزية في الولايات المتحدة.
لا أريد أن أضرب في بيداء الفروض الجائز وقوعها وأمامي خطر ماثل من قيام منطقة الإسترليني بزعامة إنجلترا، تلك المنطقة التي لا يرجع تاريخها إلى سنة 1931 كما يعتقد الكثيرون، بل لعله يرجع إلى ما هو أقدم من ذلك إلى سنة 1871 التي قادت فيها إنجلترا جماعة من الدول إلى قاعدة الذهب دخلته في حلف كبير، وخرجت عنه في حلف كبير ارتبط معها ارتباطا وثيقا لدواع مشتركة وصلات سياسية واقتصادية متعددة لا بد من أن أحسب لها حسابا ليس بالسهل أن أتغاضى عن نتائجه.
إن المسألة في نظري أصعب من أن يحلها اتفاق «بريتون وودز»؛ فالإسترليني رغم كثرة أنصاره مريض ولم يدخل في دور النقاهة بعد، ثم إن أنصاره يكرهون استبداده بهم، ولكنه قيدهم باتفاقات تجميد ديونهم، فلا يستطيعون الفكاك ليتم لهم التعاون في نظام دولي طليق وإن كان أغلبهم يسعى إلى الاستقلال؛ فقد تسمح به إنجلترا استقلالا نقديا شبيها بالاستقلال السياسي الذي سمحت به للبلاد الداخلة في نطاق الإمبراطورية والمتصلة بها.
يضاف إلى ما تقدم كون التعاون الدولي دونه عقبات من تنافر بعض الدول الكبرى وتكتلها سياسيا في مناطق تبسط عليها نفوذها، وكون الديون المختلفة لم ترصد نهائيا بين الدول حتى يمكن القول بأن الاتفاق على بنك مركزي للبنوك المركزية قد أضحى أمرا سهل التنفيذ متعين النفع .
Unknown page