Balagha Casriyya Wa Lugha Carabiyya
البلاغة العصرية واللغة العربية
Genres
السيف أصدق أنباء من الكتب
وقال الثاني: «من يقتل إنسانا طيبا فإنما يقتل مخلوقا عاقلا هو صورة الله، ولكن من يهلك كتابا طيبا؛ فإنما يهلك العقل نفسه وكأنه يضرب صورة الله في عينها ... إلا أن الكتب ليست أشياء ميتة على الإطلاق؛ إذ هي تحتوي قوة الحياة لأن تنشط كتلك النفس التي هي (الكتب) من سلالتها».
والحرب القائمة هي حرب بين كلمتين: الديمقراطية والفاشية، أجل إن هناك أقولا ليست أفعالا وهناك ميتة هي تلك التي تنفصل من المجتمع وتعتكف في معبد أو في كتب قديمة لا يقرأها الشعب؛ ذلك لأن أخص خصائص اللغة هو اجتماعيتها فإذا لم يتكلم بها الشعب ولم يجر التفاعل بينه وبينها؛ فقدت قيمتها العلمية ولم تعد الأقوال أفعالا.
ولغتنا العربية من ناحية العلوم ميتة؛ ولذلك نحن لا نعيش المعيشة العلمية، ولا يتحرك مجتمعنا التحرك العلمي الذي تقتضيه معارف البيولوجية والكيمياء والسيكولوجية إلخ. وكذلك يعد أدبنا ميتا؛ لأنه ليس أدب الشعب بل عامة الشعب وملايينه إذ يكتب بلغة لا تفهمها هذه الملايين.
وحيوية اللغة تقاس بقدر ما فيها من أفعال وأفعالها تقاس بقدر تفاعلها مع المجتمع الذي ينطق بها، فاللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية أكثر أفعالا من اللغة العربية؛ لأنها أكثر تفاعلا مع المجتمعات التي تنطق بها وأكثر اتصالا بالعلوم العصرية التي تتحرك بها هذه المجتمعات.
الفصل الثامن عشر
الذكاء واللغة
ليس هذا مقام البحث عن الكلمات هل هي أصل التفكير أم التفكير أصل الكلمات، واعتقادنا أن التفكير ممكن بلا كلمات ولكن في صورة بدائية مضطربة كما نفكر في الأحلام، وواضح أن أحلامنا حين تكون على مستوى خامد راكد بالنوم تجري بلا كلمات صورة تأخذ مكان صورة ومنظرا يتلو منظرا.
ونحن الكتاب كثيرا ما نجد - عندما نحلل تفكيرنا - أنه ينبعث ويتصل بالكلمات. ومما لا شك فيه أن هناك بين المتوحشين والبدائيين أذكياء من الطراز الأول ولكن ذكاءهم يبقى عقيما؛ لأنهم حين يفكرون يجدون تفكيرهم محدودا بالتراث اللغوي المحدود الذي ينطقون ويفكرون بكلماته، واللغة لهذا السبب هي أعظم المؤسسات الاجتماعية في أية أمة؛ لأنها الوسيلة لتحريك الذكاء في أبنائها ولتوجيه أخلاقهم بكلماتها التي تعبر عن المعرفة أو العقيدة أو الحكمة، ومن المحال أن تطمع الأمة في أديب من أبنائها إذا كانت لغتها غير أدبية كما أنه من المحال أن تطمع في عالم إذا كانت لغتنا غير علمي.
والفرنسيون معرفون بالمنطق والوضوح والدقة في تفكيرهم واعتقادنا أن هذه صفات لغتهم أكثر مما هي صفات أذهانهم، فإنهم من حيث السلالة لا يختلفون عمن حولهم من الأمم الأوروبية، ولكن اللغة الفرنسية تحتوي كلمات وعبارات في غاية الوضوح والدقة بحيث إن المعنى يبرز بأكثر مما في أية لغة أخرى؛ ولذلك كثيرا ما نجد الكاتب الانجليزي يعبر في غضون إنشائه بكلمة أو عبارة فرنسية يحس أن كلمات لغته لا تؤديها.
Unknown page