Bahr Madid
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
Investigator
أحمد عبد الله القرشي رسلان
Publisher
الدكتور حسن عباس زكي
Edition Number
١٤١٩ هـ
Publisher Location
القاهرة
يفسدون إيمانهم بما يُخْفُون، وجملة (وما يشعرون) حالية، أي: غير شاعرين، والشعور: التفطن، وفعله من باب كَرُمَ ونَصَرَ. وليت شعري: أي: ليت فطنتي تدرك هذا، وجملة (في قلوبهم مرض) تعليلية للمخادعة، والمرض:
الضعف والفتور، وهو هنا مرض القلوب بالشك والنفاق. والعياذ بالله.
يقول الحق ﷻ: وَمِنَ النَّاسِ منهم مغموص عليهم بالنفاق كبعض اليهود والمنافقين، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وما هُم في عداد المؤمنين، يُخادِعُونَ بزعمهم اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا بما يُظهرون من الإيمان، وَما يَخْدَعُونَ في الحقيقة إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لأن وبال خداعهم راجع إليهم، وَما يَشْعُرُونَ أن خداعهم وبال عليهم، وإنما حصلت لهم هذه المخادعة لأن فِي قُلُوبِهِمْ مرضًا من الشك والحسد، فقلوبهم مذبذبة، وأنفسهم مغمومة، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا على مرضهم بما ينزل عليهم من الآيات التي تفضحهم، وَلَهُمْ في الآخرة- إذا قدموا على الله- عَذابٌ موجع بسبب تكذيبهم رسول الله أو كذبهم على الله. هذا مُضَمَّنُ الآية.
افتتح الحق- ﷻ بذكر الذين أخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبهم ألسنتهم، ثم ثنى بالكافرين الذين محضوا الكفر ظاهرًا وباطنًا، ثم ثلث بالمنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وهم أخبث الكفرة لأنهم خلطوا بالكفر استهزاء وخداعًا، ولذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار.
الإشارة: ومن الناس مَن يترامى بالدعوى على الخصوصية، ويدعي تحقيق مشاهدة الربوبية، وهو في الدرك الأسفل من العمومية، يظهر خلوص الإيمان وتحقيق العرفان، وهو في أودية الشكوك والخواطر حيران، وفي فيافي القطيعة والفَرْقِ ظمآن، لسانه منطلق بالدعوى، وقلبه خارب من الهدي، يخادع الله بالرضا عن عيوبه ومساوئه، ويخادع المسلمين بتزيين ظاهره، وباطنه معمور بحظوظه ومهاويه، يتزيه بِزِيِّ العارفين ويتعامل معاملة الجاهلين، ويصدق عليه قول القائل:
أمَّا الخِيَامُ فَإنَّها كخِيَامهمْ ... وأَرَى نِسَاءَ الحيِّ غَيْرَ نِسَائِهَا «١»
وما يخادع في الحقيقة إلا نفسه، حيث حرمها الوصول، وتركها في أودية الأكوان تجول، قلبه بمرض الفرق والقطيعة سقيم، وهو يظن أنه في عداد مَن يأتي الله بقلب سليم، فزاده الله مرضًا على مرضه حيث رضي بسقمه وعيبه، وله عذاب الحرص والتعب في ضيق الحجاب والنصب بسبب كذبه على الله، وإنكاره على أولياء الله، فجزاؤه البعد والخذلان، وسوء العاقبة والحرمان، عائذًا بالله من المكر والطغيان.
(١) البيت نسبه القرطبي فى تفسيره لأبى بكر الشبلي، فى قصة. وجاء فى ديوان الشبلي: قسم أشعار تمثل بها الشبلي.
1 / 78