Bahr Dumuc
بحر الدموع
Investigator
جمال محمود مصطفى
Publisher
دار الفجر للتراث
Edition Number
الطبعة الأولى ١٤٢٥هـ
Publication Year
٢٠٠٤م
وإنما جمع بينهما، لأن القانط لا يطلب السعادة لقنوطه، وإن المعجب لا يطلبها لظنه أنه ظفر بها.
وذكر ابن عباس ﵄ أنه قال يوما: أنا من الراسخين في العلم، وقال يوما: سلوني قبل إن تفقدوني، فلما انصرف إلى منزله، بعث الله ملكا في صورة آدمي، فدق عليه الباب، فخرج إليه عبد الله بن عباس، فقال له الملك: يا ابن عباس: ما تقول في النملة مع صغرها، أين روحها في مقدّمها، أو في مؤخرها؟ فلم يجد جوابا فدخل منزله، وأغلق بابه، وآلى على نفسه أن لا يدّعي علما أبدا.
قال الله تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ يوسف ٧٦.
وذكر أنه حضر بعض النحويين في مجلس ابن شمعون الوعظ، وكان من الزهاد، فكأن النحويّ أخذ على الشيخ لحنا في لسانه، وغلظا في كلامه، فانقطع عنه النحويّ، ولم يأت إلى مجلسه، فكتب إليه ابن شمعون: أراك من الإعجاب رضيت أن تقف دون الباب، أما سمعت رسالة بعض العارفين إلى بعض المتأدبين. كتب إليه: من اعتمد على ضبط أقواله، لحن في أفعاله، انك رفعت وخفضت وجزمت وتهت وانقطعت.
ألا رفعت إلى الله جميع الحاجات؟ إلا خفضت صوتك عن المنكرات؟ إلا نصبت بين عينيك ميزان الممات، أما علمت أنه لا يقال غدا لعبد: لم لم تكن معربا وإنما يقال له: لم كنت مذنبا.
يا هذا، ليس المرغوب الفصاحة في المقال، وإنما المرغوب الفصاحة في الفعال. ولو كانت الفصاحة محمودة في المقال دون الفعال، لكان هارون أولى بالرسالة من موسى ﵉، قال الله تعالى إخبارا عن قول موسى: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ القصص ٣٤. فجعلت الرسالة لموسى لفصاحة أفعاله، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
1 / 140