Bahr Culum
بحر العلوم
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ [الزمر: ٣] يعني قالوا: ما نعبدهم. ومثل هذا في القرآن كثير. وكذلك قوله هاهنا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ، أي من حلالات مَا رَزَقْناكُمْ، أي أعطيناكم من المن والسلوى ولا ترفعوا منها شيئًا، كما قال في آية أخرى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ [طه: ٨١]، أي ولا تعصوا فيه فلا ترفعوا إلى الغد، فرفعوا وجعلوا اللحم قديدًا مخافة أن ينفد فرجع ذلك عنهم، ولو لم يرفعوا لدام ذلك عليهم.
قوله تعالى: وَما ظَلَمُونا، يقول وما أضرونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، أي أضروا بأنفسهم حيث رفعوا إلى الغد حتى منع ذلك عنهم. وروى خلاس، عن أبي هريرة، عن النبيّ ﷺ أنه قال: «لَوْلا بَنُو إسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ، وَلَمْ يَنْتنِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَاءُ لَمْ تَخُنِ امْرَأةٌ زوجها» .
[سورة البقرة (٢): الآيات ٥٨ الى ٥٩]
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)
ثم قال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ، قال الكلبي: يعني أريحا. وقال مقاتل:
إيليا. ويقال: هذا كان بعد موت موسى- ﵇ وبعد مضي أربعين سنة، حيث أمر الله تعالى يوشع بن نون وكان خليفة موسى- ﵉ بأن يدخل مع قومه المدينة، فقال لهم يوشع بن نون: ادخلوا الباب سجدًا، يعني إذا دخلتم من باب المدينة فادخلوا ركعًا منحنين ناكسي رؤوسكم متواضعين، فيقوم ذلك منكم مقام السجود وذلك قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ، يعني أريحا أو إيليا.
فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا، موسعًا عليكم وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّدًا، أي ركعًا منحنين وَقُولُوا حِطَّةٌ. قرأ بعضهم بالرفع وبعضهم بالنصب وهي قراءة شاذة، وإنما جعله نصبًا لأنه مفعول. ومن قرأ بالرفع معناه وقولوا حطة. وروي عن قتادة أنه قال: تفسير حِطَّةٌ، يعني حطّ عنا خطايانا. وقال بعضهم: معناه لا إله إلا الله. وقال بعضهم: بسم الله.
وقال بعضهم: أمروا بأن يقولوا بهذا اللفظ ولا ندري ما معناه.
ثم قال: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ، قرأ ابن عامر ومن تابعه من أهل الشام تَغْفِرْ بالتاء والضمة، لأن لفظ الخطايا مؤنث. وقرأ نافع ومن تابعه من أهل المدينة يَغْفِرُ بالياء والضمة بلفظ التذكير، لأن تأنيثه ليس بحقيقي ولأن الفعل مقدم. وقرأ الباقون بالنون وكسر الفاء على
1 / 55