Bahr Culum
بحر العلوم
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا معناه: اعبدوا ربكم الذي خلقكم وجعل لكم الأرض فراشًا، يعني مهادًا وقرارًا. وقال أهل اللغة: الأرض بساط العالم. وروي عن علي بن أبي طالب- ﵁ قال: إنما سميت الأرض أرضًا، لأنها تأرض ما في بطنها أي تأكل ما فيها. وقال بعضهم: لأنها تتأرض بالحوافر والأقدام. وَالسَّماءَ في اللغة: ما علاك وأظلك.
يعني اذكروا رب هذه النعم واعبدوه، واعرفوا شكر هذه النعم حيث جعل لكم الأرض فراشًا، والسَّماء بِناءً أي سقفًا. قال ابن عباس- ﵄ في رواية الكلبي: كل سماء مطبقة على الأخرى مثل القبة وسماء الدنيا ملتزقة على الأرض أطرافها ويقال: وَالسَّماءَ بِناءً أي مرتفعًا. وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء، يعني المطر فَأَخْرَجَ بِهِ، يعني أنبت بالمطر مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكُمْ، يعني من ألوان الثمرات طعامًا لكم.
قوله: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا، أي لا تقولوا له شركاء وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنه خالق هذه الأشياء وغيره لا يستطيع أن يخلق شيئًا من هذه الأشياء. ويقال: كل شيء في هذه الدنيا فيه دلالة على كونه الخالق من أربعة أوجه: فوجود هذه الأشياء وكونها يدل على وجود الصانع واستقامتها تدل على توحيده، وهو استقامة الليل والنهار، والشتاء والصيف وخروج الثمرات وحدوث كل شيء في وقته، لأن المدبر لو كان اثنين لم يكن على الاستقامة، كما قال في آية أخرى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] وتجانسها يدل على أن الخالق واحد عالم حيث خلق الأشياء أجناسًا مختلفة، وتمام الأشياء يدل على أن خالقها واحد قائم قادر.
[سورة البقرة (٢): آية ٢٣]
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣)
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ قال بعضهم: هذا الخطاب لليهود وإن كنتم في ريب: أي في شك مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا محمد ﷺ من القرآن أنه ليس من الله تعالى فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، أي من مثل هذا القرآن من التوراة، وقابلوها بالقرآن، فتجدوها موافقة لما في التوراة، فتعلموا به أن محمدا ﷺ لم يختلقه من تلقاء نفسه وأنه من الله تعالى: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي استعينوا بأحباركم ورهبانكم، يعني عبّادكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فيما تشكون فيه.
وقال بعضهم: نزلت في شأن المشركين وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ أي في شك مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا محمد ﷺ من القرآن وتقولون: إنه اختلقه من تلقاء نفسه فَأْتُوا بِسُورَةٍ أي فاختلقوا سورة من مثل هذا القرآن، لأنكم شعراء وفصحاء وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ، أي استعينوا بآلهتكم، ويقال: استعينوا بخطبائكم وشعرائكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن محمدًا يقوله من تلقاء نفسه.
1 / 34