فأجاب جميع الخلق لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [الرعد: ١٦، وغيرها] فكذلك هاهنا. قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يعني في ذلك اليوم لا يكون مالك، ولا قاض، ولا مجاز غيره.
قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ هو تعليم علم المؤمنين كيف يقولون، إذا قاموا بين يديه في الصلاة، فأمرهم بأن يذكروا عبوديتهم وضعفهم، حتى يوفقهم ويعينهم فقال إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي نوحد ونطيع. وقال بعضهم إِيَّاكَ نَعْبُدُ يعني إياك نطيع طاعة نخضع فيها لك. وقوله تعالى:
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول: بك نستوثق على عبادتك وقضاء الحقوق. وفي هذا دليل على أن الكلام قد يكون بعضه على وجه المغايبة وبعضه على وجه المخاطبة، لأنه افتتح السورة بلفظ المغايبة وهو قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثم ذكر بلفظ المخاطبة، فقال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وهذا كما قال في آية أخرى هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ [يونس: ٢٢] فذكر بلفظ المخاطبة، ثم قال: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها [يونس: ٢٢] هذا ذكر على المغايبة ومثل هذا في القرآن كثير.
قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ رويت القراءتان عن ابن كثير أنه قرأ «السراط» بالسين، وروي عن حمزة أنه قرأ بالزاي، وقرأ الباقون بالصاد وكل ذلك جائز، لأن مخرج السين والصاد واحد، وكذلك الزاي مخرجه منهما قريب، والقراءة المعروفة بالصاد قال ابن عباس ﵄: اهْدِنَا يعني أرشدنا، الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ وهو الإسلام فإن قيل:
أليس هو الطريق المستقيم؟ وهو الإسلام فما معنى السؤال؟ قيل له: الصراط المستقيم، هو الذي ينتهي بصاحبه إلى المقصود. فإنما يسأل العبد ربه أن يرشده إلى الثبات على الطريق الذي ينتهي به إلى المقصود، ويعصمه من السبل المتفرقة. وقد روي عن عبد الله بن مسعود- ﵁ أنه قال: خط لي رسول الله ﷺ خطًا مستقيمًا، وخط بجنبه خطوطًا، ثم قال: إن هذا الصراط المستقيم وهذه السبل، وعلى رأس كل طريق شيطان يدعو إليه ويقول: هلم إلى الطريق. وفي هذا نزلت هذه الآية وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: ١٥٣] فلهذا قال: اهدنا الصراط المستقيم واعصمنا من السبل المتفرقة. قال الكلبي: أمتنا على دين الإسلام.
وروي عن علي بن أبي طالب- ﵁ أنه قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ يعني ثبتنا عليه. ومعنى قول علي: ثبتنا عليه. يعني احفظ قلوبنا على ذلك، ولا تقلبها بمعصيتنا. وهذا موافق لقول الله تعالى: وَيَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح: ٢] فكذلك هاهنا.
قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يعني طريق الذين مننت عليهم، فحفظت قلوبهم على الإسلام حتى ماتوا عليه. وهم أنبياؤه وأصفياؤه وأولياؤه. فامنن علينا كما مننت عليهم.
1 / 18