167

للرسل والأنبياء صفات واجبة في حقهم ولهم صفات مستحيلة في حقهم وصفات ممكنة في حقهم، ويلزم المكلف معرفة كل واحد من هذه الصفات بعد قيام الحجة به عليه، فيجب في حق الأنبياء والرسل (التبليغ) لما أمروا بتبليغه دون ما لم يؤمروا بذلك، ودون ما خيروا في تبليغه، ويجب إتصافهم ب(الصدق) وهو مطابقة خبرهم للواقع، ويجب اتصافهم ب(الأمانة) وهي حفظ ما ائتمنوا عليه ووضعه في موضعه وأداؤه إلى أهله، ويجب اتصافهم ب(العقل) فلا يكون المجنون رسولا ولا نبيا ولا يكون نبي صبيا أي متصف بصفة الصبيان من عدم الاتصاف بموجبات العقل، فيخرج بهذا التقييد يحيى عليه السلام لقوله تعالى: { وآتيناه الحكم صبيا } مريم : 12 وكذا من كان مثله.

حاصل ما في المقام أن الواجب الإتصاف بالعقل، فإذا حصل في أحد فلا عبرة بكثرة عدد السنين وقلته، ويجب في حقهم (الضبط) أي حفظ ما أمروا بتبليغه وضبطه حتى يؤدونه على وجه لا يكون فيه خلل، ويجب في حقهم (الفطانة) وهي اليقظة في الأمور ليحصل لهم بذلك محاورة الخصم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، ويستحيل في حقهم أضداد هذه الصفات من ذلك؛ (الكذب) وهو عدم مطابقة الخبر لما في الواقع، ومن ذلك (الجنون) وهو زوال العقل، ومن ذلك (ارتكاب الريب) أي المعاصي فإنهم لو ارتكبوها ما كانوا أمناء في أوامر ربهم في أنفسهم فلا يكونون أمناء في غير ذلك، وما عدا هذه الصفات التي ذكرتها فهي في حقهم من الممكن لهم والجائز اتصافهم بها، وذلك مثل النوم والأكل والشرب والجماع والمشي بالأسواق وغير ذلك من المباحات، نعم يستثنى من ذلك ما كان مستقبحا منها في العقل كالبول قياما فإن العقل يستقبح ذلك في أدنى البشر، فكيف يستحسنه في أعلاهم، على أن الغرض إتصافهم بمكارم الأخلاق وليس هذا منها.

(138)(أفضلهم نبينا ثم الخليل ثم الكليم بعده عيسى الجليل)

( 139)(وبعدهم نوح فباقي الرسل فالأنبيا ذوو المقام الأكمل)

Page 200